ما بين مهرجان "التكتل" وإخفاء الصندوق الأسود "ماسينا"

خميس, 2016-02-25 18:11

بقلم: عبد الفتاح ولد اعبيدن المدير الناشر ورئيس تحرير صحيفة "الأقصى"

أثار المهرجان أمس بساحة "بن عباس" من طرف أنصار حزب "التكتل"، أقول أثار التساؤل عن مدى تأثير هذا الحشد والتحرك المناوئ عموما على النظام القائم.

ففي السنوات الماضية دأب النظام على الترخيص لمسيرات ومهرجانات المعارضة، من مختلف الطيف المعارض وفي ظل حراك سلمي، رغم تفاوت وتيرة الحضور الجماهيري بقية هذه النشاطات في الحيز القانوني الشكلي، دون أن نصل بطريقة أو بأخرى للهدف المنشود النهائي، المفترض في نظر البعض، أي الخلاص من النظام الإستبدادي المتغلب، وإن تظاهر بالزي المدني، ونعني طبعا النظام الحالي.

لكن طبيعة التراكم والتأزم في الوقت الراهن، خصوصا بعد الأزمة السياسية والدستورية " بالنسبة مثلا لوضعية مجلس الشيوخ" غير الدستورية.

فاللحظة الراهنة تطبعها قلة تداول السيولة النقدية وخطر تفلت أمني، شبه متعمد من قبل بعض الجهات المحتملة المتهمة، حيث لا يستبعد أن يكون بعض هذه الجهات وراء فتح السجون لخروج بعض السجناء المفزعين، والذين مازال بعضهم قيد البحث دون جدوى وإلى لحظة كتابة هذه السطور.

السياسة والنضال مملين تقريبا، لأن الثقة المطلوبة في حدها الأدنى في مجمل السياسيين مفقودة في نظر البعض، حتى المعارضين تراجعت ثقة الرأي العام المعارض نفسه في أدائهم.

فـ"تواصل" يشبه حزب "التكتل"، فهو بواجهة إسلامية أيديولوجية زيادة على "التكتل"، ولأنه في نظر البعض بطريقة ما من الطرق، بيت نفوذ وسيطرة وهيمنة جماعة بعينها من زوايا "الكبله"، قد يقدمون فيه شكليا وتكتيكيا أحيانا غيرهم، إلا أنهم رغم ما يرفعون من شعارات إسلامية براقة، يتخذون هذا الحزب وسيلة للعيش والنفوذ، ورجوع "ترارزه" لواجهة هذا النفوذ المعنوي والمادي الواسع المنشود، وهذه المرة باسم حزب إسلامي يسيل اللعاب نقاء فكره الإسلامي المتداول، رغم اختلاف واقعه التطبيقي أحيانا، عن ذلك الفكر الإخواني النهضوي الناصع الغالب في تلك الأوساط، دون أن يمنع هذا الفكر أن تكون الجهوية المعشعشة تقريبا تحت كل شعرة من جلد البعض اترارزوي، داخل هذا الحزب، هي الموجه الأول للخلفية والقرار والمخطط مهما كان، ولن يكون أبدا حزب "تواصل" صيغة إسلامية نوعية متوازنة وشاملة، لتكريس النموذج الإسلامي في بلدنا، دون أن تراجع هذه العقد النفسية والعقليات الجهوية المستحكمة وغيرها من صيغ التقوقع الذي كتبت عنه وحذرت منه أصحابي وإخواني، وقد لا يفسد الاختلاف على الأقل عندي على الود والصلة كما يقال في المثل لا يختلف الاختلاف للود قضية.

أجل، خطر التقوقع قائم وفشل هذا الحزب راجح، لأن تركيبته وطبيعة الصراع السابق فترة التنظيم السري الإسلامي لا يمكن البتة أن تتجاوز بسهولة دون مراجعات صريحة واسعة وشفافة ومنصفة هي في الوقت الحاضر ملحة لمن حرص بحق على نجاح هذا الحزب الغالي والصيغة الإسلامية الحزبية عموما في هذا البلد الأغلى.

وحزب "التكتل"، مهما تظاهر أهل بوتلميت وأنصار توريث أسرة أهل داداه الحكم، عبر أحمد الوزير السابق للمالية عهد الراحل المؤسس رحمه الله، أخيه لأب المختار ولد داداه، وكان كذلك فترة أخيه أيضا أي أحمد محافظا مؤسسا للبنك المركزي.

ووزر المختار رحمه الله عبد الله أخيه رحمه الله، وزيرا لفترة قصيرة لوزارة التجهيز والنقل و التنمية الريفية.

ولو دامت لغيرك لما وصلت إليك، ومن العار أن تتهم "أهل موريتانيا" بـ"النفشه" يا أحمد ولد داداه، وقد لا يسمح لك أغلب الناخبين بالوصول إلى كرسي الرئاسة، فكفاهم ربما من حكم "الأسر": "اهل داداه، أهل الطايع، وسائر الأسر تقريبا، التي حكمت سابقا، خصوصا أخوك وما تعلق به من وشائج عائلية قريبة مثلك، وكذلك سير إعادة حكم معاوية بصورة أو بأخرى، لأنكم أطلتم العهد والمكث في كرسي الحكم، دون إنجازات نوعية خصوصا تلك التي تقطع الصلة مع الاستعمار والاستبداد والإستحواذ ونماذج الحكم الانقلابي أو الأسري، الإنقلابي مثلا زمن ولد الطايع وغيره والثاني زمن أخيك عفا الله عنه المختار رحمه الله، رغم ما تظاهر به أحيانا وبدهاء من بعد تكتيكي من أسر وقبض الأسرة والانتماء الضيق.

وإن كان لكل من المذكورين معاوية والمختار إسهام معتبر في بعض المنجزات العامة، لكن دون الوصول لمقصد البعد المؤمل لقطع الصلة مع الاستبداد ونموذج الحكم القهري الانتهازي باختصار.

ويقول البعض بأن "لحراطين" أقلية والزنوج أقلية، وفي نظرهم لا يمكن أن تحكم الأقلية الأكثرية، ولا أعرف من أين أتوا بهذه القوانين العنصرية، ذات الأحكام الجاهزة و"أهل الشرق" في نظر البعض "أمصنعه" وفوضويين أحيانا وبعيدين حسب خصومهم الداخليين من التحلي النموذجي بمفهوم الدولة ويطبقون أحيانا أكثر من اللازم مبدأ "موريتانيا المفضل "أل اتول ش ظاكو"، وبعضهم أيضا حسب روايات مغرضة ربما أقرب لمالي بل يقولون أن هذا البعض كاد يوما إبان بزوغ فجر الاستقلال أي ينتهج نهجا انفصاليا عن البلد الحالي لصالح مالي الشقيق المجاور.

و"أهل آدرار" يقول البعض عنهم، أنهم من أكبر محترفي التلاعب بالشأن العام والمال العام وبدهاء أحيانا، رغم قلتهم لكنهم شطار حسب عبارة بعض خصومهم في الداخل الموريتاني، بل يتهم بعضهم بأنه استغل مثلا "صوملك" أو قطاع الشرطة لبعض أهله بشكل واسع، أو أتقن على مستوى القطاع الخاص من بعض أقارب معاوية مثلا فنون التحايل أحيانا على المال العام، وربما مثلهم أهل أكجوجت من خلال نموذج بعض المقربين عائليا من نموذج الحكم الحالي والذين اتبع أكثرهم أسلوب الجمع استغلالا للظرف الراهن مع المنع وأشد أنواع البخل.

وبعض "أهل الساحل" يتهمون بالقرب بل والتوزع والانقسام بين "بوليساريو" والمغرب، في باب الولاء والاسترزاق أحيانا، مع قربهم الحساس الخطير على الوحدة الوطنية ربما، من نقاط الحدود مع البلدين الشقيقين "المغرب والجزائر" المعنيين بالنزاع في الصحراء الغربية بوجه خاص، ولا يؤتمن في نظر البعض "أهل الساحل" أو بعضهم على الأصح على أي شأن موريتاني صرف جامع.

وأهل تكانت قررت قبيلتهم الرئيسية "إدوعلي" بأغلب شخصياتها النافذة، عهد ما قبل الدولة الوطنية، وحتى بعد ذلك، موالاة المتغلب مهما كان، حرصا فقط على المصالح الخاصة أو رؤية وطنية حاذقة، على رأي البعض، وكذلك كانوا مع المستعمر وقلوا في المقاومة وكانت تلك سيرتهم المهادنة في أغلبهم لأغلب الأنظمة المتعاقبة، رغم حالات خاصة ولكل قاعدة شذوذ.

إذا، أين المفر؟، أتراه بقية "أحزيبات الخور"، أم الخلاص في النظام السيئ المسيء الحالي، والذي كرر بعض أخطاء سابقيه، وزاد عليهم ربما بالجمع الهائل للمال أكثر من غيره من مقربي السلط السابقة أو يكاد يكون، وإن اتسعت دائرة الاستفادة في عهد معاوية أو غيره أو كان بوعماتو رغم أنه ليس من أبناء عم معاوية من أكثر المستفيدين  من عهده أو من أبرزهم، لكن الأقربين غالبا في عهد عزيز وفي الزاوية العائلية الضيقة وجناحه بالذات من "أولاد بسبع" وربما ضد الأجنحة الأخرى دون أن يكون ذلك مقنعا للبعض.

أـقول هذه الدائرة هي الأكثر استفادة من النظام الحالي، وبأسماء معروفة بارزة، بعضهم أبناء خالته أو أبنائه أو أصهاره أو حرمه وغير ذلك من ألقاب الصلة العائلية القريبة جدا، ومع إتباع نهج المنع والبخل أحيانا بأشد الأوصاف وأقبحها بإيجاز.

 وأسس لـ "الرحمة" ولا رحمة خالصة لوجه الله على رأي البعض، وإنما يتقبل الله الطيب ومصدر تمويل هيئة الرحمة مغشوش ومشكوك فيه على الأقل عند كثيرين من أبناء هذا البلد ممن لا ينتهجون نهج النفاق والسكوت على الباطل والتطبيع معه، وهم أهل بركة وخير وإن قلوا، ونعني أهل هذا النهج الرافض للبس الحق بالباطل والتزلف للقوي مهما كان حاله المكشوف، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وقد بلغ رأس النظام من الغباء والطمع والحرص الأعمى على الحكم ومنافعه بأن دفع بأولاده تدريجيا في ساحة الوغى غير المشرف ربما في نظر البعض، وربما حرصا على البقاء مهما كلف من ثمن.

"أحزيبات الخور" ما بين المعارضة كلها والموالاة بأجمعها، يعتبرها البعض فاشلة كلها، وهدفها الأسمى الوصول للسلطة بالدرجة الأولى قبل بلورة برنامج منقذ جامع، وهي إما أيديولوجية بالمفهوم المدرسي غير المنفتح أو المتقوقع بعبارة أخرى، أو أحيانا ذات طابع أسري أو شخصي حتى أو بوتيليميتية أو مناطقية، وهذا كله قد لا يكون هو الطريق الأمثل لتكريس نمط حزبي أو سياسي مخلص جامع، وأقربهم -في نظر البعض- للنضال المثير بقدر قليل من الأمل المحدود، حزبي تواصل واتحاد قوى التقدم، وهذا لا يمنع البعض من القول إن حزب "تواصل" حزب نفوذ بعض أهل الكبله وهو والتكتل صنوان رغم الاختلاف التكتيكي تماما ربما مثل خلاف إعل وعزيز، ولكن يختلف شكليا حزب "تواصل" في نظر البعض في الشعار الإسلامي عن حزب "التكتل"، وقد لا تخدم مثل هذه الأحزاب وغيرها من "أحزيبات الخور"، في الصميم وحين الاختبار العسير عند التحول السياسي الجاد، الوحدة الوطنية وتقاسم النفوذ والثروة بأمان وعدالة نسبية، والثاني أي حزب اتحاد قوى التقدم غلب عليه فريق الكادحون، لأنهم أصحاب التيار المؤسس قبل ظهور الحزب، والديمقراطية ولهم حق تاريخي في نظر البعض، والفريق الثاني أكبر نفوذا داخل حزب اتحاد قوى التقدم بعد نفوذ الكادحين "البيظان" و"لكور" و"لحراطين"، أقول الفريق المنافس لهؤلاء أبناء عم الرئيس الحالي للحزب من قبيلة "إدوعلي" وبعضهم من بقايا ديناصورات معاوية وبعض وحوشه الكاسرة، التي تتظاهر بالقومية أو غيرها، أو الكدحة الزائفة، هذه الوحوش التي تعودت على الشبع فحسب، ولا تعرف للنضال الحقيقي الجاد إلا سبيلا ابتدعته أخيرا وقد لا تفلح في الصحبة معه، لأنها اعتادت استغلال الشأن العام على حساب المغلوبين والمحرومين، وقد لا تكون هذه الدورة إلا إحدى صور ذلك بطريقة انقلابية داخل حزب اتحاد قوى التقدم وهو ما نفر البعض منه، حين وجد بعض هؤلاء شفقة عند قريبهم محمد ولد مولود وتسامحا أكثر من اللازم حتى طردوا بعض المؤسسين الأوائل، وبعض عتاة الكدحة وإن لم يخرجوا أصبح وجودهم شكليا، وإن عانى بعض رموز هذه الكدحة التقليديين من "الغسله" بامتياز للأسف البالغ، رغم دربتهم السياسية والنضالية الرفيعة غالبا، والتي قد تعرقلها هذه المسحة السلبية من المبالغة في الأمور والدعاية للذات أحيانا بطريقة أو بأخرى، وكأنهم لم يخدموا بلدهم من أجل الخدمة لذاتها وللوصول لرضوان الخالق، وإنما لإقناع الجميع، بأنهم أصحاب الحق في القيادة والريادة المعنوية والمادية والسلطوية، والاعتراف لهم بأنهم ما صنع غيرهم أكثر مما صنعوا.

عافا الله الجميع.

و"الغسلة" مرض باختصار، وهي بوجه من الوجوه عدم القبول، وما أنزل الله داء إلا وأنزل له دواء، وإن خفي أحيانا وصعب اكتشافه.

السؤال المطروح ببساطة بالنسبة للجزء الثاني من عنوان المقال، متى يحال الصندوق الأسود محمد الهادي ماسينا "أمعلم لكور"، الأمين العام السابق لمدة أكثر من ثلاثة عشر سنة إلى المحاكمة، لنتخلص على الأقل من بعض الغموض في شأن طريقة تزوير إنتخابات2009 بوجه خاص، والتي لا أشك شخصيا أنها لو تركت على وضعها الصحيح وقتها، لكنا الآن ربما تحت حكم ولد داداه، أو بعضنا في قبورهم، لأن "أصنادره" ربما لن يقبلوا الهزيمة الانتخابية كما روجوا، وإن كان جل ذلك الترويج أو كله دعاية وتهديد فارغ فحسب، دون زيادة أو نقصان في أغلب الأحيان.

والصراع الخفي تارة الظاهر طورا، بين أنصار ولد داداه من جهة وأنصار "التواصليين" من جهة ثانية وأنصار انقلاب ضباط أهل الشرق الموريتاني داخل المؤسسة العسكرية طبعا وبالنسبة لي باختصار لا ضمان للخروج من عنق الزجاجة بتغلب أحد هذه الأطراف وحتى التواصليين، رغم أنني إخواني متمسك بإذن الله بنهجهم وضد النموذج الإخواني الحزبي المحلي، لأنه شابته شوائب الجهوية والعمل الخيري، رغم أن لهذا العمل الخيري إيجابيات كثيرة وله ربما سلبيات أكثر، وبالنسبة لولد داداه صوت لصالح سنة 2009، والحمد لله وقتها لم ينجح، ولن أصوت له مرة ثانية، ما دام على هذا النهج الأحادي المفرق للمعارضة والمهمة عندي في مجملها مهما كانت عيوبها، والحل محاولة إيجاد جو سياسي تقاربي يسمح للجميع بالاندفاع بترو وحكمة للدخول في معمعان ومعترك النضال الجاد، عسى أن يزاح عزيز وحاشيته المدنية والعسكرية وهم قلة، مهما ظهرت الكثرة المتقلبة المتنوعة التي تدور مع كل متغلب وتصفق معه وتلعن الخارج من دائرة النفوذ دون حياء، نعم ينبغي أن نسعى لهذا الطيف التقاربي والنهج الوحدوي المعارض للولوج لصيغة حكم جامع يقبل فيه للمستقبل القريب المعارضون المتغلبون وغيرهم التعايش النسبي الهش ربما مؤقتا، للرقي التدريجي لأحسن أوجه الشورى المكرسة لحكم إسلامي وطني جاد جامع، بعيدا عن الجهوية والانتهازية، عسى أن يكون ممثلا لجميع الأطياف الجهوية والمناطقية والأتنية والأيديولوجية وغيرها، حتى لا يهمش أو يقصى أي كان بإذن الله.