مابين الحكومة والبرلمان أزمة الثقة.. أم سوبر مان ؟
تعيش موريتانيا هذه الأيام أزمة سياسية خانقة في أروقة القصر الرئاسي والبرلمان والمؤسسة العسكرية, ألقت بظلالها علي الساحة التي تشهد منذ سنة أزمة اقتصادية حادة واجتماعية بين الهزلية والجادة بعد أن خفت حدة الأزمة الأمنية .
هذا التلاحق وهذه الاستمرارية قد وأصلت البلاد حد عقدة التشويق حسب مصطلحات الروائي أو صاحب القصة , أو حد الانفجار حسب مصطلحات العلميين , فالمواطن البسيط أصبح في حيرة من أمره , يكابد مرارة الجوع والحرمان في سنة شهدت الأسعار فيها ارتفاعا لا يطاق و تراجعا حادا في القوة الشرائية , كان يعيش علي أمل انشغال القيادة الوطنية بجهودها المتواضعة عبر الخطط الإستعجالية إلي التخفيف من حدة المعاناة ;لكنه على ما يبدو فقد كل أمل مع ظهور هذه الأزمة السياسية الحادة , التي لم يعد ممكنا معها الالتفات إلى قضايا التنمية ومحاربة الفقر و الأمية كما كان يأمل , أما السياسي , فإنه لا يدري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا؟والرأي في ذلك منقسم.
إن التحفظ الذي أبداه الجنرالان محمد ولد عبد العزيز ومحمد ولد الغزوانى على تشكيل حكومة ولد الواقف, و رغبة رئيس الجمهورية السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله في استمراريتها , جعل البلاد تتخبط في أزمة سياسية حادة انشغل بها السياسي المهتم ,وبها انشغل رجل الشارع المتألم. كل منهما تعلوه دهشة وحيرة حين ينطق: تساؤلا أو تأويلا لطلب الإجابة الشافية أو لتقديمها , وقد أجمعت كل الشهادات والآراء أن للقضية أسباب: منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير مباشر, ولها أبعاد: منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي, وأن لما بعد القضية قضية ,فإلى أي حد يمكن تلمس ذلك من خلال الصحف واليوميات الموريتانية ؟ .
إن المتتبع للسا حة السياسية اليوم يجد دون كبير عناء أن أزمة الثقة الحالية تعود إلى مجموعة من الأسباب : أما السبب المباشر منها فهو أن انقلاب الثالث من أغسطس كان يراد من وراءه القضاء على نظام استشرى فيه الفساد, و إبعاد رموزه عن مراكز صنع القرار السياسي حتى تتعافى البلاد والعباد, وبالتالي فإن عودتهم من جديد الآن تعني عبثية الجهد الذي قام به المجلس العسكري, وهو ما لم يرضه جنرالا المجلس العسكري الذين أبديا استياءهما من دخول بعض مقربي ولد الطايع الحكومة, الأمر الذي دفعهم إلى اتخاذ قرار نهائي بإقالة حكومة ولد الواقف فقط من خلال البرلمان بحجب الثقة عنها ـ لأول مرة في التاريخ السياسي للبلد ـ و السعي إلى تشكيل حكومة جديدة خالية من رموز الفساد ,وقد تخلوا من عناصر المعارضة, ممثلي حزبي إتحاد قوي التقدم وحزب تواصل الذين: تتحفظ عليهما إحدى مجموعات الأغلبية ;لأن دخولهما الحكومة كان على حساب الأغلبية, وتشكرهما المعارضة على عدم المضايقة .فقد خشيا عدم الصبر على طول التهميش في المعارضة, أو نسيا قضيتهما المتعلقة بالفساد والمفسدين والعلاقات المشينة مع إسرائيل. وبتصفية هؤلاء جميعا يكون الجنرالان وأحزاب الأغلبية قد أرضيا أنفسهما, وربما غالبية السياسيين,من أغلبية ومعارضة.
وأما الأسباب غير المباشرة فكثيرة ومتعددة المظاهر, لكنها تصب في منحى واحد هو إحساس الجنرالين بالإهانة و بمحاولة إبعادهما عن مركز اتخاذ القرار السياسي أو تحجيم دورهما ,فقد قيل: إن الفصل بين وزارة الاقتصاد و المالية وكتابة الدولة التابعة لها والمكلفة بالميزانية أثارت مشكلة بين ولد عبد العزيز الذي يقف وراء ولد الرايس وبيجل ولد حميد وولد الواقف الذين يقفان وراء ولد حم فزاز بالإضافة إلى رئيس الجمهورية. هذا من جهة, ومن جهة أخرى قيل: إن ولد الواقف استدعى الجنرالين للتشاور معهما حول تشكيل الحكومة ,لكنه لم يعبأ بمشورتهما, الأمر الذي رأيا فيه إهانة لهما, ثم إن تحسن العلاقات ـ كما يقال ـ بين رئيس الجمهورية وبعض رموز المعارضة خصوصا زعيم حزب إتحاد قوي التقدم الذي فتح باب التشاور بينهما, قد حمل في طياته بعيدا عن أعين الأمن , إلى رئيس الجمهورية الشعور بالامتعاض من تدخل الجيش في الشؤون السياسية للبلد والحث على إبعاده إلى ثكناته مع تقديم بديل عنه, متمثل في سياسيين مخضرمين من الحركة الوطنية الديمقراطية M N D , وقد أصغي رئيس الجمهورية إلى هذا الخطاب وتلك النصائح حسب ما قيل, وبدأ في محاولة تطبيق مقتضياته لما أستدعي بوصفه القائد الاعلي للجيش ـ ولكن دون علم الجنرالين! ـ أحد قادة الجيش ليوليه قيادة كتيبة تابعة لقيادة الأركان التي يدير شؤونها الجنرال محمد ولد القز واني , و أخبر المدعو فور خروجه القصر كلا من الجنرالين ولد عبد العزيز وولد الغز واني بمجريات اللقاء . فكان رد ولد الغزوانى أن استدعي جميع قادة الجيش ليقول لهم أن لاشيء على الاطلاق بعد الآن في المؤسسة العسكرية يجب أن يحدث دون علمه !! بل وتعدي الامر ذلك حسب ورد إلى حجب المعلومات الاستخباراتية عن الرئيس أربعا وعشرين ساعة! ففي هذه الردود وفي غيرها قرأ الناس مامفاده أن الجنرالين متحكمين في مقاليد الأمور, وهو مادفع برئيس المغارضة إلى القول بأننا نعيش أزمة قيادة .
كما قرأ الجنرالان عبارات التنديد الحاد من كل السياسيين بإحكام قبضتهما على القرار السياسي ـ وإن من على بعد ـ على غير المرجو عند السياسيين لما سيقلص من فرصهم في إدارة شؤون البلاد ليكيلوا لأنفسهم دون تشفف ولا مضايقة., كما التمس أيضا الجنرالان محاولة تهميشهما أو إبعادهما , فهبا لنجدة هيبتهما وحمايتهما و شعبهما بمهارة في ظل القانون, وقد وفقا في التدليل على حماية الشعب والأمة من خلال اعتماد السبب المباشر للأزمة, ولا اعتراض عليهما حسب منطق السياسيين في اعتماد الأسباب غير المباشرة لها , مادام الصراع من أجل البقاء والبقاء في ظل غياب الأصلح المتفق على صلاحيته من طرف الجميع للأقوى حسب منطق نيتشه, ولكن مع بقية أخلاق وشيء من التقوى, كما عرفنا نموذجه في المرحلة الانتقالية الماضية .
إن محاولا ت السيد الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله لاحتواء الأزمة دون إقالة الحكومة ,أو تأجيل إقالتها على الأقل باءت بالفشل حسب ما نشرت الصحف .فقد حاول السيد الرئيس تأجيل إقالة الحكومة إلى ستة أشهر أو ثلاثة أو اثنين ليقيلها بعد ذلك لكن الجيش رفض وأبا إلا أن يقيلها الآن, أو يقيلها البرلمان بتأثير منه , وذلك هو الخيار المفضل عند الجنرالين حيث سيسمح لهما بالظهور أمام كل السياسيين المتذمرين منهم ,كرجل واحد هو الأقوى والأفضل supuer man,وهو الأمر الذي يرى فيه بعض السياسيين خطرا على البلاد ومستقبل الاستقرار السياسي فيها,بينما البعض الآخر متشوق لمعرفة ما ستنتهي إليه الأمور هل سينجح الجيش في إثبات جدارته وإظهار تحكمه في زمام أمور البلد؟. ويرون في العملية مصداقية كبيرة ,من حيث هي إبعاد لرموز الفساد داخل حكومة ولد الواقف ,وبقرار جاد من ممثلي الشعب في الجمعية الوطنية حيث , ورد على لسان الناطق الرسمي باسم التيار الداعي لحجب الثقة عن الحكومة ولد محم( نائب أطار) مجيبا على أسئلة الصحافة :أنهم ما ضون في قرار حجب الثقة عن الحكومة, مهما كانت الحلول التي ستتمخض عنها مفاوضات الرئيس والجنرالين, وفي ذالك إيعاز من الجنرالين حتى تكون الإقالة بتوقيعهما . أما الرافضين لقرار حجب الثقة عن الحكومة, فإنهم يرون أن أزمة الثقة بين الحكومة والبرلمان عادة ما تكون بسبب إصرار الحكومة على تمرير قانون لا يرضاه البرلمان لشعبه , أو ما أشبه ذلك ـ أي احتجاجا على أداء الحكومة ـ ولم تقد م هذه الأخيرة بعد للبرلمان برنامجها السياسي الذي تنوي تطبيقه ,حتى يكون موضع احتجاج يؤدي في ما بعد إلي حجب الثقة . بل الأمر عندهم مكشوف, وهو أن الجنرالين لا يريدان إلا إقالة هذه الحكومة وبالطريقة التي يريدون ,ظنا منهم أن اللجوء إلي البرلمان لإقالة الحكومة هي تغطية على إرادة الجنرالين , في الوقت الذي لا يريد الجنرالان إلا ظهورها ,وهو ما لم يتحقق إلا من خلال استمالة البرلمان واستغلاله لهذه القضية الدستورية , التي تعد سابقة ديمقراطية في تاريخ البلد السياسي .
لكن خطاب رئيس الجمهورية مساء الأربعاء الماضي والذي تميز بالوضوح والقوة والحكمة والرزانة قد عجل باستقالة الحكومة ساعات قبل موعد جلسة البرلمان المقررة لحجب الثقة عنها, والتي أكد البرلمانيون الغاضبون مضيهم فيها, ردا على خطاب رئيس الجمهورية الذي هدد فيه بحل البرلمان, إذا هو أقال الحكومةـ دفاع مستميتا عنهاـ لكن رئيسها ولد الواقف قد تكون ـ حكمة منه ـ رحمة بالبرلمانيين ورفقا , وحفاظا على مستوى العلاقة بين الرئيس و الجنرالين, هي التي دفعته إلى الاستقالة قبل الإقالة . ومهما قيل عن ظاهرة حجب الثقة هذه: تأييدا كان أو تنديدا وعن استقالة الوزير الأول المفاجئة: مبادرة منه أو إيعازا , فإن اختبار الجنرالين الأصعب مع رئيس الجمهورية, مازال قادما. فبعد أن أثبتا للجميع أنهما الأقوى في المعترك السياسي , عليهم أن يثبتا بعد تشكيل الحكومة القادمة , أنهما الأصلح حقا, وأنهما الأفضل بين الممكن والمتاح,حتى يكون وجودهما ضرورة, تقطع ألسنة لاكت عبارات من قبيل : على الجيش أن يتنحي ـ أن يبتعد عن السلطة ـ أن يعود إلى ثكناته ـ أن يترك ما لقيصر لقيصر.
تاريخ الإضافة: 05-07-2008 18:47:24 |
القراءة رقم : 200 |