باحث موريتاني ينال دكتوراه بتقدير مشرف جدا
نال الباحث الموريتاني حماه الله ولد ميابى، شهادة دكتوراه بتقدير مشرف جدا من شعبة اللغة العربية وآدابها، في وحدة تحقيق المخطوط العربي، بجامعة محمد الخامس، بكلية الآداب والعلوم لإنسانية،الرباط – آكدال.
وقد كان موضوع اطروحة ولد ميابي لنيل شهادة الدكتوراه، الذي نوقش يوم الاربعاء الماضي 06 يوليو 2011، باشراف الأستاذة، د. نجاة المريني وذلك، بعنوان: "جمع وتحقيق وتقديم رسائل وأشعار من مدينة تيشيت خلال القرنين 12 و13 الهجريين".
وهذا ملخص البحث:
أ– مخل
أشار فيه إلى مكانة تيشيت في التراث الإنساني العالمي، و شرح الدوافع والدواعي التي حدت به لاختيار هذا الموضوع، وتحدث عن الصعوبات التي لاقته أثنائه، وحدد عنوانه، واستجلى بعض مفاهيمه، ثم سرد أبوابه.
ب- التقديم
وقدم فيه الباحث خطوطا عريضة لتاريخ تيشيت، وتأسيس معلومات تضيء زوايا العتمة في الفضاء التاريخي الذي أنتجت النصوص المحققة ضمنه، والشرائط الحضارية التي اكتنفت إنتاج تلك النصوص، من أجل تأطيرها، ووضعها في سياقها العام، وأشار إلى الصعوبات التي يلاقيها الباحث في تاريخ المنطقة بصفة عامة وتاريخ تيشيت بصفة خاصة، حيث تندر الكتابات التاريخية إلى حد الانعدام أحيانا، وتتضاعف مشكلة شح المعلومات هذه كلما تعمقنا في الماضي صعدا، وحاولت استجلاء تفاصيله، واستسغت هذا الأمر في بيئة كتلك البيئة حيث لا تأتي كتابة التاريخ غالبا إلا متأخرة في حياة الحضارات، أحرى في حياة الصحارى المترامية الأطراف، وأشار إلى أن هذا الفراغ جعل تاريخ المنطقة منحصرا في مرويات شفهية قَبَلِيَّة تقدس الماضي وتمجده في الغالب، وفي معلومات تم تدوينها متأخرة ومحكومة بسياقات قبلية وجهوية أيضا، وهي أمور جعلته في السابق عرضة للتشوه والابتسار من خلال الفراغات المخلة حينا، والسقوط في الأسطورية والخرافات المثيولوجية حينا آخر، وجعلته في الحاضر عرضة لافتراضات جريئة تحاول سد كافة الفراغات اعتمادا على معطيات واهية حينا، وعلى خيالات لا تنهض عليها حجة حينا آخر.
ونوه إلى أنه لم يجد بدا من الاتكاء على الافتراض أحيانا لملء بعض هذه الفراغات الملحة، لكنه لن يألوا جهدا في تأسيسها على ما توفر من معطيات، ولم يعتمدها منهجا.
وتعرض ضمن هذا التقديم لجملة من جوانب الحياة في تيشيت من خلال العناوين التالية:
01 - النشأة وملابسات التأسي:
وحدد تحدث في هذا العنوان موقع تيشيت ضمن منطقة الصحراء الكبرى الفاصلة بين بلاد المغرب وبلاد السودان، التي تسمّت بأسماء متعددة مثل: بلاد الملثمين، وبلاد التكرور، وبلاد شنقيط، وعرفت حدودها تغييرات كبيرة لا تعدو الأرض المساة اليوم بـ"موريتانيا" جزءا منها، وتقع تيشيت ضمن هذا الجزء في ولاية تكانت، حيث تبعد من عاصمتها تيجكجة مائتين وأربعين (240 كم) على الجنوب الشرقي منها.
ثم تحدث عن المعلومات الأثرية عن القرى القديمة التي تأسست بأحواز تيشيت، وارتفاع أعداد ساكنة هذه القرى التي تراوحت بين حظائر قليلة إلى ست مائة (600) حظيرة، غير أن المنطقة دخلت منذ ذلك العصر في صمت طويل لنأيها عن كل التطورات الحاصلة في بقية المعمور حتى سنة:63هـ/ 683 م؛ حيث غزاها الفاتح المسلم عقبة بن نافع،ثم موسى بن نصير سنة: 86 هـ/705م، ثم عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري الذي بدأ يعمق الصلة بين جنوب وشمال الصحراء من خلال سلسلة الآبار التي حفرها على طول الطرق الصحراوية لتنشيط التبادل التجاري.
واعتبر قيام الحركة المرابطية في أواسط القرن: 5 هـ 11م فتحا إسلاميا جديدا حيث تجسد الإسلام لأول مرة في دولة مركزية محلية فرضت تعاليمه، وبسطت سيطرتها على مجالات التبادل التجاري، وتحكمت بمسالكه.
وحاول تصور الطرق التجارية التي كانت السبب في نشوء مدن الصحراء، وألمح إلى رأي ابن مولود القائل بأن بئر بني ينتسر الذي ذكره البكري قد يكون بمنطقة تيشيت، وأشار إلى تعدد الروايات بشأن تأسيس حاضرة تيشيت، ورجح الرواية القائلة إنها تأسست سنة: 536 هـ /1142م على يد الشريف عبد المؤمن بن صالح الإدريسي، تلميذ الفقيه اللامع أبي الفضل عياض بن موسى السبتي، الذي دخل الصحراء برفقة زميله الحاج عثمان أحد مؤسسي وادان، ووجد واحة تيشيت آهلة يومئذ بسكان مسلمين.
وأشار إلى الروايات الأخرى، وإلى المصادر التي ذكرت بها تيشيت، واعتبر وثائق تيشيت نفسها قد تفيد أكثر في هذا الصدد، مثل منظومة محمد بن محمد بن المختار بن الشواف المسلمي التيشيتي:( 1176هـ 1762) التي أوردها كاملة لأهميتها في الموضوع، وناقشت بعض معلوماتها بشيء من التفصيل.
02 - السلطة والمجتمع
وقد تحدث تحت هذا العنوان عن مظاهر السلطة منذ الوجود البشري القديم المشار إليه آنفا، وعن الإلماعات عن وجود للسلطة المرابطية بشيء من التركيب لمعطيات متعددة، وعن افتراض الأستاذ ددود بن عبد الله القائم على أن إشارة الإدرسي إلى قيام دولة الأدارسة هناك قد تكون قبيلة الشرفاء المؤسسة لتيشيت هي المعنية بها.
ثم قفز تحت إكراه الفراغ الوثائقي إلى فترة الوجود الحساني بالمنطقة منذ القرن:8 هـ/ 14م، حيث باتت المعلومات أكثر وفرة، فتحدث عن الاضطرابات التي رافقت سيادة الحكم الحساني، وما آلت إليه من وضع شبه مستقر بفعل الإمارات التي تقاسمت المنطقة حيث كانت تيشيت بين بعض تلك الإمارات، وقبل هذا وبعده ظلت تيشيت محكومة بسلطة قبلية موزعة بين حلفي الشمال والجنوب، دون أن يمنع ذلك من قيام جماعة حل وعقد تبت في كبريات القضايا التي تهم الساكنة جميعا مثل قدوم امحال ملاي اسماعيل، وقضية تحديد المكاييل، كما تطرقت للتركيبة الاجتماعية لسكان تيشيت خلال تلك الفترة.
03 - العلاقات الخارجية
أفرد للعلاقات الخارجية لحاضرة تيشيت عنوانا فرعيا تحدث فيه عن كون تيشيت حاضرة تقوم في أساس وجودها على التجارة وهو أمر جعل حاجتها شديدة لبناء علاقات مع كافة الكيانات السياسية والاجتماعية، ذات التأثير على حركة القوافل، وأشار إلى بعض الوثائق التي تضمنت علاقة مع تلك الكيانات السياسية مثل حكام مدينة "زاره" و العلاقات بين سكان تيشيت وسلاطين المغرب منذ العهد العلوي على الأقل، حيث تضمنت المدونة المحققة رسالة من جماعة تيشيت إلى المولى إسماعيل، ووثائق أخرى .
04 - التجارة والقوافل
حاول من خلال هذا العنوان التنبيه إلى أن تيشيت كانت شديدة الارتباط بحركة القوافل التي ظلت حياتها رهنا لتقلبات الحالة العامة لها. ووضع تحته فرعين أولهما بعنوان" حاضرة القوافل" وقد استعار هذا العنوان من مقولة أحد علماءها: "تيشيت قرية لا تصلح إلا بالرفاق"أما العنوان الثاني فهو" المواد التجارية" ورميت من خلاله إلى تبيان المواد المصدرة من تيشيت وتلك المستوردة إليها.
05 - الأزمة والتفكك
وتحت هذا العنوان تناول ما آل إليه حال تيشيت نتيجة لاضطراب الوضع الأمني على طرق القوافل بعد وهن الكيانات الأميرية، من جهة، وتحت تأثير تقسيم المدينة بين أحلاف قبلية حدا بها التنازع على ملكية الأرض ومن السابق إليها، إلى حد الاقتتال أحيانا.
06 - الخطط الحضرية
وضمن هذا العنوان تناول الباحث ثلاثة أركان رئيسة هي خطة القضاء، وخطة الإمامة، وخطة الحجيج.
07 - التصوف والزوايا
وفيها تناولت ما توفر لي من معلومات عن الحياة الصوفية بتيشيت، وخصصت الحديث للطرق التي عرفت بالمنطقة، وهي الطريقة الشاذلية، و الطريقة القادرية، ثم الطريقة التجانية.
08 - الثقافة والتعليم
أما الثقافة والتعليم فقد قاربت مضوعهما في أربعة عناوين هي: الخطط والتنظيم، والمقرر الدراسي، والمكتبات، والأعلام والعلماء.
ثم حاولت مقاربة الظواهر الأدبية وأساليب الكتابة في تيشيت، بشيء من الإيجاز،وتناولت الغموض المحيط بالبدايات الثقافية الأولى في المنطقة، الذي سماه بعض الدارسين "الحلقة المفقودة"، ورغم أن الأمر ليست له أسباب معروفة بصفة يقينية، فإنه في الآن نفسه لا يستحيل تفهمه، في منطقة صحراوية، غالب حياتها رهن بتقلبات مناخية شديدة التغير والتأثير على استقرار الإنسان، وعلى إنتاجه وعطائي الحضاري العام، الأمر الذي يولد افتراض سببين وجيهين لفقدان تلك الحلقة، هما: ندرة تقاليد الكتابة في المنطقة خلال القرون الأولى من تاريخها المقصود، وعرضة التراث الصحراوي عموما لسرعة الضياع للأسباب البيئية البينة، ولا بد أن العزلة الشديدة التي يفرضها الطوق الصحراوي على المنطقية من خلال قطعها من عمقها الحضاري له إسهامه القوي في هذا الضياع.
لهذا مازال المعروف من الثقافة المكتوبة لم يسبق القرن 10/16، حيث ألف اند عبد الله بن سيدي أحمد المحجوبي الذي كان حيا سنة: 934/1528 شرحا على الأجرومية، و ألف محمد بن أبي بكر الواداني الحاجي الذي كان حيا سنة 933/1529، شرحا على مختصر خليل بن إسحاق في مجلدين، وسماه: موهوب الجليل، وتوجد نسخته الوحيدة حسب العلم بمكتبة آل امحمد بن حمى الله، بتيشيت، قال البرتلي عنه إنه يتضمن نكتا عجيبة، ونقولا صحيحة، فيما كانت تنبكتو عرفت قبل ذلك حياة ثقافية نشطة.
ويكاد الدارسون يجمعون على أن أهم العوامل التي أدت إلى هذه الطفرة الثقافية التي ستبلغ أوجها خلال القرن 13هـ/19م هي:
01 - التعرب شبه الشامل للغة التخاطب، بعد سيطرة المجموعات العربية الحسانية التي وصلت إلى المنطقة في هجرتها المعروفة، وسيطرتها على المجال.
02 - ثم انتشار الثقافة العربية عموما، والدراسات اللغوية تحديدا ( النحو - البلاغة- العروض- الشعر- المعجم)، التي خرج الإنتاج الأدبي من رحمها.
وستعرف القرون اللاحقة حركة ثقافية ظلت وتيرتها في تصاعد مطرد، يتوقع أن يجد الأدب مكانته المستحقة في خضمها، وإذا كان هذا الافتراض الوجيه قد تعزز بأدلة كافية، في حقل الشعر، فإنه في مجال النثر ما يزال بحاجة إلى مزيد من البحث والتنقيب في تراث تلك العصور، نرجو أن يكون هذا العمل المتواضع قد قطع خطوات في اتجاه المساهمة فيه.
ثم استعرضت النصوص المحققة من حيث كتابها، ومصادرها، وخطوطها، وحالتها المادية، ولم أحدد مقاسات الأوراق، ومساطرها، لأسباب ذكرتها في محلها.
وقد تناول هذه الظواهر، وتتبع النصوص الأول فالأول من خلال العناوين التالية في كل من الشعر والنثر:
ا – التمهيد، وهو توطئة للموضوع، وتأطير له؛
ب - الوصف والتعليق، وهو وصف لحالة نسخة الرسالة أو المخطوطة، من حيث مصدرها، وخطها، ثم التعليق على موضوعها؛
ج- الكتاب، وهو عنوان يتم في الحديث عن كاتب النص؛
د - الخلاصة ، وفيها تحدث بإجاز شديد عن الخلاصات التي انتهى إلى البحث.
ه - جداول بيانية، وقد وضعت هذه الجداول للتبين بقية الحيثيات المتعلقة بالنصوص؛
كما تناولت المدونة من حيث:
· النسخ ومصادرها من مكتبات تيشيت،
· قيمة المدونة،
· منهج التحقيق؛
ج النصوص المحققة
وتنقسم النصوص المحققة إلى:
ا - نصوص نثرية
وقد بلغت أرعين(40) نصا تختلف من حيث أهميتها ومن حيث موضوعاتها، و تتحد في خدمة الهدف الذي يصبو هذا العمل المتواضع إليه، والمشار إليه آنفا.
ب- نصوص شعرية
وقد ضم البحث سبعين(70) مقطوعة شعرية تختلف من حيث منتجوها وأغراضها وأحجامها، وأماكن وجودها، وما يجمعها أنها كتبت في تيشيت أو كتب إليها.
د الفهارس الفنية
وقد وضع فهارس فنية تسهل الوصول للمعلومات، فوضعت فهرس الآيات، وفهرس الأحاديث، وفهرس الأشعار، وفهرس الأمثال، وفهرس الكتب، وفهرس الأعلام، وفهرس المجموعات، وفهرس الأماكن، وفهرس المصادر والمراجع ، وفهرس الموضوعات.
ثالثا قيمة البحث
لا يدعي هذا العمل المتواضع الإحاطة بكامل الإنتاج الأدبي لحاضرة تيشيت خلال ازدهارها الثقافي، غير أنه سعى لجمع جملة من النصوص طمرها النسيان، وأحيى أسماء لكتاب لفّهم الضياع في أكفان الزمن الغابر، وسيتيح ذلك للدارسين فرصا معتبرة لسد بعض الفراغات المخلة في الخارطة الثقافية والأدبية للمنطقة، كما سيضع اسم تلك الحاضرة الذي كان لا معا ذات يوم بين مثيلاتها التي أتيح لها نزر نصيب من إحياء تراثها، ولعل التقديم الذي حاولنا فيه تناول الجوانب التاريخية لتيشيت يكون ذا بال في سد فراغات محدودة من تاريخها المجهول.
وعلى العموم فحسبنا أن نتيح للدارسين مادة أدبية محققة ليتناولوها بدراسات معمقة تشتغل عليها، وتضعها في مكانها المناسب ضمن أدب فضائها الثقافي، وأن نلفِت انتباههم إلى ما يعد به الحفر في رفوف مكتبات تلك الحواضر القديمة من نتائج للبحث.
رابعا خلاصات البحث
ورغم أن الدراسة ليست ضمن اهتمامات هذا البحث المكرس للجمع والتحقيق، فقد خلص في عجالة إلى مجموعة من النتائج نجملها على النحو التالي فيما يخص النثر:
01 - التأثر القوي بالأسلوب الفقهي الميال بطبعه إلا البرهنة والاستدلال من جهة، والجزالة في التعبير، والاقتصاد في الأسلوب، وهو أمر مفهوم بالنظر إلى أن أغلب كتاب هذه النصوص فقهاء، تمرنوا على الأسلوب الفقهي، وتمرسوا به، ومن هنا جاء تأثرهم به، حتى لو كتبوا في موضوعات غير فقهية.
02 - الاستحضار الكثيف لمأثور التراث العربي بمختلف ألوانه، من القرآن الكريم الذي وردت منه في هذه الرسائل تسع وعشرون آية (29)، تصريحا، وعدد آخر إيماء وتلويحا، ومن الحديث الشريف الذي ورد منه سبع وثلاثون حديثا(37)، ومن الشعر الذي وظف منه ثلاثة وخمسون نصا، تتراوح في عددها من البيت الواحد، وهو الأغلب، إلى أكثر من بيت، ومن الأمثال التي هي الأقل حضورا، أما النصوص والشواهد الفقهية فهي الأخرى ترد بقوة، وتتجلى في أغلب الرسائل.
03 – الحرص الشديد على استخدام السجع، خصوصا في مقدمات الرسائل، على غرار رسائل العصر، غير أن الأمر لم يصل حد التصنع الفاحش، كما هو شائع في العصر نفسه في أماكن أخرى، وإذا كان السجع في عرف البلاغيين هو أحد المحسنات اللفظية، قائم على عنصر أسلوبي صوتي، له دوره الجمالي الهام، فأن المبالغة في الاهتمام به قد يكون على حساب المضمون، وهو أمر كاد يؤثر على بعض الرسائل، غير أن أغلبها ظل يقتصر على استخدام السجع في مقدماته، لكن ما يجمعها بهذا الخصوص هو الالتزام شبه الكامل بالسجع في هذه المقدمات، وبعد المقدمات تتفاوت في استخداماته.
04 - البساطة الشديدة في التعبير لبعض النصوص، بحيث تبدو كما لو أنها لا يطلب فيها غير وظيفة التبليغ، غفلا من مطاولة الفن، والارتقاء في مدارجه السامقة، ولعلها تمثل ما أسماه رلان بارت "درجة الصفر" في الكتابة.
05 - رغم تعدد موضوعات هذه الرسائل وتعدد كتابها، فإن قضيتين رئيستين نالت النصيب الأوفر منها، وهما: البحث عن تسهيل طريق القوافل من خلال مد جسور علاقات متينة مع كل الكيانات السياسية والعسكرية التي لها تأثير على هذه الطرق، سواء تعلق الأمر بوضع غرامات على هذه القوافل مثل قادة سلطان المغرب مولاي إسماعيل، أو من خلال ضمان انسيابية طريقها مثل مشيخة أبناء امبارك، أو بغلق أسواقها في وجهها مثل أمراء السودان، ثم قضية المد التي قصمت ظهر الإجماع في الحاضرة.
وباستثناء هاتين القضيتين فهناك متفرقات من الموضوعات.
تلك بعض السمات التي لمَسناها جلية في هذه المجموعة، أوردنها دون بحث عميق، إفساحا للمجال أمام النقاد والدارسين المتخصصين.
أما الشعر فقد تميز فقد تميز بجملة من الخصائص نجملها في:
أ - أن تيشيت كبقية المناطق عرفت جانبا من تلك النهضة الأدبية، منذ القرن الحادي عشر الهجري على الأقل، غير أن الكم المكتشف من منتوجها حتى الآن، لا يوازي حجم حضورها في مناحي المعارف الأخرى، وهو أمر يستدعي البحث مرة أخرى عن أسباب لذلك، ولعل أهم تلك الأسباب:
1 - العامل الديني الذي سقناه آنفا، ولا بد أنه يتصدر قائمة هذه العوائق، للأدلة التي أشرنا إليها؛
2 - انعدام دواع كبرى ملحة لتدبيج الشعر في حاضرة تجارية خالية من سوق رائجة للأدب، حيث لا يوجد أمراء ولا ساسة، يستوجبون المدح ويُجْزُونَه، ولا أطلال ومنازل عهدها الشاعر آهلة بالأحبة؛
3 - نأي تلك الحواضر عن مراكز البحث والتدوين، ووأد نهضتها الثقافية مبكرا، بعد تحول مسالك التجارة، بفعل الحضور الأربي على شواطئ المحيط الأطلسي، الذي كان إيذانا بأفول تلك الحواضر، الأمر الذي جعلها بعيدة من التأثر بما يجري من حراك كبير في حقل الشعر في الجنوب الغربي على شواطئ المحيط المنتعش اقتصاديا بسبب الوجود الأربي؛
4 - الهجرة التي استنزفتها من ساكنتها ، منذ أمد.
ب - الشعر التيشيتي ليس سوى جزء من الشعر في الإقليم كله، يتفاوت من حيث قيمته الفنية ومن حيث تأثره باتجاهات الشعر القديم، ففي حين تجد الشعر الجاهلي شديد الحضور والتأثر في بعض النصوص من خلال غريب اللغة، واعتماد الصور الحسية، تجد صنعة الشعر العباسي وعمق الأخيلة، وبعد المأخذ في نصوص أخرى، كما لا تعدم ميلا واضحا في نصوص أخرى إلى الزخرفة الفنية، والمبالغة في استخدام المحسنات البديعية، وهناك نصوص لم ترتق إلى أي واحد من هذه المستويات، وظلت تدور في فلك المدائح البصيرية وغيرها من المدائح التي باتت من أهم محفوظات الشعر في الحاضرة.
03 - ورغم كل ذلك فأنه في معظمه ليس أقل شئنا من شعر منطقته وعصره، وإذا كان من شيء يجمع شعراء هذه المدونة فهو انتزاع الصور الحسية من رموز الطبيعة في الغالب، والاستعانة بالألوان لصبغ الصور وتلميعها، أداتهم في ذلك التوكؤ على التشبيه وفنون البيان إجمالاً، واهتمامهم بالوزن والقافية والموسيقى الداخلية التي تظهر في التكرار ، والتقسيم والجناس، وتفاوت معاجمهم الشعرية من ناحية السهولة والغرابة، والترادف.
تاريخ الإضافة: 2011-07-09 21:16:59 |
القراءة رقم : 6612 |