
قال الروائي الموريتاني محمد ولد أمين إن الإمارات أحدثت نهضة متصالحة مع العصر، وهي دولة منفتحة على كل الحضارات، ورأى أن نجيب محفوظ كاد أن يحنط الرواية العربية، وتصدر الروائي محمد ولد أمين الساحة الأدبية الموريتانية في وقت قياسي بعد نشره العام الماضي روايته الأولى "مذكرات حسن ولد مختار"، التي استقبلت بحفاوة كبيرة، في ظل الاسم المستعار الذي نشرت به حلقات الرواية، قبل أن تصدر بالاسم الحقيقي للوزير السابق و المحامي المشهور الذي تمكن من حفر اسمه بقوة كروائي موهوب، ومؤخرا صدرت روايته الجديدة "منينة ابلانشيه" عن دار الساقي في بيروت .
ولد أمين الذي يؤمن بعروبته حتى النخاع، وبحتمية نهضة أمته من كبوتها الحالية، يصر على مقاربات مثيرة للجدل، منها ثراء المشترك بين الحضارتين العربية والأوروبية، وأن الأدب العربي يعد من أرقى الآداب العالمية لولا التمييز العنصري الذي يعانيه من طرف القارئ والناقد الغربي .
أهم ما يميز المشهد الروائي عند ولد أمين هو الصورة السردية الآسرة التي تقدم الشخوص والأحداث في قالب لغوي ذي جمالية باذخة الأصالة .
"الخليج" التقت بمحمد ولد أمين بالعاصمة نواكشوط وأجرت معه الحوار التالي:
* ألا تستحق بدايتك كروائي رواية في حدث ذاتها . . اسم مشهور كوزير إعلام وسياسي . . يلجأ إلى تحقيق الشهرة الأدبية باسم مستعار!؟
- الاسم المستعار، كما تسميه أو الأدبي كما أسميه أنا، منحني حرية كبيرة مع نفسي ومع الناس ومن الفوائد العديدة لهذا التقليد الأدبي العريق أنه وضع القارئ أمام النص دون أي مؤثرات خارجية . . فأنت تجد أمامك كقارئ أفكاراً وكتابات لشخص لا تعرفه ولذلك تحكم عليها بموضوعية وحيادية أكثر . . . ثم هذا أكثر عدلا أيضا مع من يكتبون دون شهرة سياسية سابقة . . في الأدب يجب أن يكون التنافس بين الجمال والمتعة وليس بين الألقاب والمناصب .
* في المقال الذي انطلقت منه شهرتك ككاتب . . مقارنة بين علاقة فكتور هيغو مع ملك فرنسي وعلاقتك مع رئيس موريتانيا الحالي، ما قصدت بذلك؟ .
- إذا كان هناك شبه ما بيني وبين فيكتور هيغو . . فهو حتما في خيبة الأمل!
خيبة الأمل عند هيغو مع نابليون الصغير ناتجة عن اشمئزازه وتقززه من الخواء الفلسفي لنابليون الثالث . . أنا أقدر كل من يريد دخول التاريخ بأية وسيلة أكثر ممن يريد التمتع السخيف بنزوات اللحظة، ففي ممارسة الحكم أياً تكن الدرجة هناك شيء عظيم وهو تمثيل أمة، لذلك فالبحث عن العظمة يجب أن يكون الدافع الوحيد لرجل السياسة .
* في رواياتك تركيز كبير على اللغة، وحين يصف شعراء كبار من أمثال مباركة بنت البراء و"متنبي موريتانيا" ناجي محمد الإمام لغة روائي بأنها لغة آسرة فهذا جيد . . ماذا تمثل اللغة الروائية بالنسبة لك؟
- اللغة آلة عجيبة ولكل شخص معجمه الخاص ولغتنا العربية من أجمل وأكمل لغات البشر وهي من أقدم اللغات الحية وهذا ما أعطاها قدرات استثنائية في التوصيف بدقة على حسب المقدار المطلوب، والقرآن الكريم أيضاً أعطى للعربية خصلة فريدة هي الديمومة أو الاستمرارية، فمن المدهش أن يكتب المرء بلغة يعرف أنها ستبقى حية دائماً . . نحن نقرأ امرأ القيس دون وسيط لكنهم يترجمون عن أفلاطون وعن دانتي وعن كل أسلافهم!
* في عنوان روايتك الجديدة "منينة ابلانشيه" توأمة لغوية . . . ما دلالة ذلك؟
- الدلالة واضحة وهي أننا أمام امرأة عربية متزوجة من فرنسي، تحيل على اللقاء الحضاري بين العرب وأوروبا وما له من أبعاد إنسانية ضاربة في القدم وليس دوما وليد الهجرة العربية نحو أوروبا بل أحيانا العكس، فالاستعمار كان أكبر هجرة من الشمال نحو الجنوب، "التعارف"، كما ورد في القرآن الكريم أمر حتمي، وكل تعارف يؤدي لانهيار الأحكام المسبقة، وفي هذه الحالة من التجرد كتبت "منينة ابلانشيه" كحالة روائية تتحدث عن مواجهة وانسجام الحضارتين لأسباب إنسانية بحتة .
* يسهل على البعض القول إننا متخلفون روائياً . . ما رأيك؟
- هذا غير صحيح وغير مؤسس، وهو ما يروج له البعض حيث يقيسون نضج روائي ما بمدى تقبل القارئ الغربي له وهذا معيار غير مقبول، خصوصاً لمن يعرف القارئ الغربي، وأستطيع أن أجزم مثلا أن القارئ الغربي "عنصري" وانتقائي في قراءاته ولا يهتم بما يكتب خارج حيزه الخاص، والرواية العربية من أجمل ما كتبه البشر، لكنّ هناك صدودا متعمدا عن كل ما هو عربي، لقد اقتحمت الرواية العربية كل العوالم وقالت ما كان ينبغي لها أن تقوله بكل جسارة .
* كيف تنظر إلى الواقع العربي الراهن . . متفائل أم متشائم؟
- متفائل جداً وهذا القرن خلافا لما يعتقد البعض سيكون قرن العرب بامتياز . . العرب أمة شابة وتضج بالعنفوان والحيوية، والأحداث تؤكد كل يوم أننا أمام رأي عام عربي مشترك وموحد، وهذا هو أهم الإنجازات القومية وهو إنجاز سيلقي بظلاله على كل مناحي الحياة، لذلك فأنا متفائل جدا في هذا الصدد.
نقلا عن "الخليج" حوار المختار السالم