أي مشكلــة سيحلها حجــب الثقــة عن الحكــومة؟
محمــــد محمــود ولد بكـــار
|
يشكل شعار الإصلاح هذه الأيام موجة لا تعي أهدافها صراحة، يركبها كل من هب ودب، وتتجمهر حولها كوكبة من النواب في مواجهة الشرعية ..إنه مظهر ديمقراطي مثير أن تطرح مجموعة من النواب وبشكل مستقل تشخيصا للوضع يكون نواة لانتفاضة، من أجل إصلاح تدعمه الأغلبية ويطيح بحكومة "لا يريدها أحد" ..إنه حقا نجاح باهر سيخطف ديمقراطيتنا من العالم الثالث إلي مصاف العالم الأول. وسيكون إذانا بعصر النضج لطبقتنا السياسية وهي تشب عن "الطوق".
إنه موقف جدي يتبناه أصحابه ويروِّجون له علي هذا النحو، فليس هنالك أي مجال للتهكم، فنحن أمام خريطة معقدة وكأنها رقعة شطرنج تتحرك فيها المواقف بشكل قابل للتمحيص وللقراءة.ولهذا لابد من قراءة رزينة لهذا الموقف. ولا فكاك جريا علي هذا الطريق من العودة باللعبة إلي خطواتها الأولي: أي الخطوات التي تسبق التعقيد والتشابك ،إن أول خطوة دشنت هذه اللعبة تعود إلي تشكيل حكومة يحي ولد الواقف . فقد تم علي نحو عميق تداول تذمر الجنرالات علي عدم إشراكهم في قرار إقالة حكومة الزين وتشكيل الأخرى، وهنا يجب التنبؤ بخلفيات وأهداف تختلف بالضرورة عن الشعارات والوسائل ،في هذه العملية، ولهذا وللأسف لن تأخذنا نشوة الفرح بهذا التقدم الباهر في مجال النضج الديمقراطي بعيدا، حتي دخول المعارضة علي الخط في تلك العملية والذي يفترض استقلاليته لم يكن أحد ليجزم بأنه سيسعف في التقليل من خيبة الأمل إزاء عدم استقلالية الطبقة السياسية.
إننا أمام صورة واضحة لوضع لم يهنأ فيه بعضهم بوضعه المريح أو لم تحسم فيه صلاحيات علي نحو صريح ومـُلزم، ولهذا نحن أمام معركة إعادة صياغة النفوذ بالنسبة للقرار الوطني والصلاحيات الفعلية ليس بالنسبة لتلك المُـسَطـّرة أو المنصوصة في تلك الوثيقة الهائلة التي نفخر بإنجازها في طبعتها الجديدة تحت اسم الدستور بل بالنسبة لنص آخر ذاتي اسمه الطموح .
ولايمكن بأي حال الدفاع عن ذلك كجزء من برنامج سياسي ولا كإجتراح مأثرة وطنية . إننا في نهاية المطاف أمام مسوغات، أمام عمل سياسي واجهته مدنية ومشروعة وحقيقته إضعاف الحكم الشرعي، إضعاف نظام الجمهورية وخلق تقاليد جديدة للسيطرة علي الديمقراطية من خارجها، ولن يعدم الشيطان نصا مقدسا يفسره حسب هواه. كما لن يختفي ،بل يتزايد عدد الذين ولأسباب ذاتية يتقاطعون مع أي مسعى خاصة إن كان لا يخلو من واجهة براقة . فمتي ستخضع الأمور للآليات التي تسميها بأسمائها الحقيقية. فالوضع الذي نحن بصدده هو محاولة تأديب الشرعية علي نحو يتضمن دلالات عديدة "أن السلطة والصلاحيات والديمقراطية ليست إلا عطية لازال أصحابها يربطون جميع خيوطها في حزام واحد يمسكون به في أيديهم ،وتلك هي المحصلة النهائية لتلك اللعبة التي يتقدمها مدنيون وتتشكل سلافتها من عناصر أخطأت طريقها هذه المرة بمحض الصدفة وتسعي للاصطدام بالشرعية. لكن النتيجة عند اصطدام القوة بالشرعية معروفة سلفا. ففوز القوة يعني خسارة في الإتجاهين المادي والمعنوي خسارة الإستقرار السياسي والثقة في النظام المترتب علي الصراع ،والثقة في هياكله الأساسية، أما في حالة فوز الشرعية فسيغطي النجاح المعنوي أي خسارة مادية لأن الأهداف التي تترتب علي هيمنة الشرعية هي أهداف عليا في مصلحة الكل : الإستقرار السياسي وتوكيد الشرعية، الإلتزام بروح الدستور وبحقيقة التحول ، وضوح اللعبة والسيطرة علي الديمقراطية من داخلها .
وذلك جزء من مآثر تمثل مكمن الاعتزاز" بالمرتنة" حتى بالنسبة لؤلئك الذين ولدوا في الخارج ولازالوا فيه حتي اليوم .أليست موريتانيا تخضع أبدا لديمقراطية يأتيها التأثير من القواعد الشعبية ومن الأفكار الجمهورية الناصعة ومن التسيير المدني أولي من أن تحرز تراجعا بقوة التأثير من خارج اللعبة، حتي وإن كان ذلك بدافع محاربة عودة المفسدين لجهاز الدولة والذي هو يافطة هذا الصراع . إنها يافطة يأتيها الباطل من بين يديها ومن خلفها،فهي تتجاوز حقيقة ماثلة للعيان فالصراع يدور في نفس الفلك الذي ظل يشكل من قريب أو بعيد جزءا من نظام ولد الطايع بشكل يتماثل مع المثل الحساني "حجرة لكنيف" والفارق فقط في درجة الانغماس والتلطخ لكنها كلها متأثرة بالوضع العام للفساد .ولهذا أيضا يوشك أن يكون استعمال كلمة الفساد من أي طرف لآخر في هذا الفلك هي الأخري "عيب لحمير بالدبر".
وهناك معضلة أكبر يطرحها هذا الشعار هي أن ذلك النظام "فاز المرة الأخيرة بـ64% في الإنتخابات الرئاسية وله بعض المآثر ولم يتبناه أحد؟ ولم يملك المجلس العسكري الجرأة علي كشف رموزه وتمييزهم حينما كان هو صاحب القرار النافذ وكانت الجماهير تطالبه بذلك .
ويقف الآن الذين لعبوا أكبر الأدوار قذارة لصالحه في صف الإصلاح .فما أهم أن يعود معاوية هذه الأيام. إنها حقائق تكشف أن العمل الذي نحن بصدده لا يمكن إخضاعه للمفاهيم الكبيرة التي يتم لها الترويج حاليا، فالحفاظ علي التغيير يبدأ بترك الأمور تتحرك بالشكل الطبيعي مع الحفاظ علي الظروف والشروط التي تضمن تطورها في ضوء الخطوط العريضة التي رسمها التغيير وهي حياد الإدارة بالنسبة للعمل السياسي، التسيير الواضح والمعقلن للمال العام ،أي خلق نظام آلي وقانوني لا يقبل الفساد .إن الوضع الحالي الذي تختلط فيه الأوراق لن يقود في أحسن إحتمالاته إلي نتيجة حاسمة لدعم الإصلاح بقدر ما سيقود للتوتر وعدم الاستقرار وعدم الثقة بين الشركاء ،فحتي عند حجب الثقة عن الحكومة فإن الرئيس في ممارسته لصلاحياته قد يعين نفس الحكومة بمرسوم جديد وحين يحجب عنها البرلمان الثقة مرة أخري تسقط الحكومة وينحل البرلمان .وعند انتخاب برلمان جديد لا يضمن أغلبية مريحة للرئيس يمكن حله بعد 45 يوما من انتخابه. والأهم من كل ذلك أن الرئيس الذي أغضب عندما حل حكومة الزين وعين بديلتها دون التشاور مع أحد مازال يملك نفس القدرة والشرعية ونفس الصلاحيات في أن يغضب أكثر دون أن يشوب مسلكه أي خرق للقانون.
تاريخ الإضافة: 01-07-2008 16:04:40 |
القراءة رقم : 838 |