محمد المصطفى ولد بدر الدين و محمد ولد مولود رجلان يسكنان تناقضات "الديالكتيك".متى يتصالح محمد المصطفى ولد بدر الدين مع ذاته؟
بوننا ولد سيدي ولد أعثيمين
|
إن مأساة هذين الرجلين معلومة لدى الجميع، وتعبر بصدق عن مأساة الفكر المركسي عموما الذي تأسس كفكر ممتاز للتناقض والتفكيك، لذلك فكك الإمبراطورية السوفيتية وحلل أوروبا الشرقية إلى قوميات وطنية ...
والسبب في ذلك أن الفكرة التي طرحها هيكل حول النقيض، ونقيض النقيض، والتركيب، منذ أن طورها ماركس في إيديولوجية ترتكز على التناقض كأساس لبناء التاريخ، لم تعد صالحة لتفسير أي شيء لأن التوافق هو وحده القادر على صناعة الوضوح والعقلانية كما في أفكار "ديكارت" التي كانت سببا في تفوق المعسكر الغربي، وعكسها في فشل المعسكر الشرقي الذي تبنى التناقض وكان هو السبب المباشر في انهياره اجتماعيا، و سياسيا، واقتصاديا.
ولقد امتطى الرجلان التناقض كمادة إلصاق دهرية مع الأنظمة التي تعاقبت على هذا البلد مؤمنان بتناقضهما الرئيسي مع المجتمع الموريتاني، وبتناقضهما الثانوي مع النظام الحاكم أيا كان هذا النظام، لذلك خلقوا تناقضات بين مكونات الشعب الموريتاني الذي عاش في تناغم ووئام تامين منذ وجوده على هذه الأرض وكان نتيجة ذلك، في منتصف الستينات من القرن الماضي،الأحداث المؤلمة المعروفة بأحداث 1966؛ وكانوا من بين من أقنعوا المغفور له المختار ولد داداه بالدخول في حرب الصحراء لتوسيع دائرة الصراع بين مجتمع "البيظان"...وقد ساندوا السلط العسكرية جميعا كما يعرف الجميع، لكنهم لم يجدوا ضالتهم المنشودة إلا في السيد محمد خونه ولد هيداله الذي تحملوا أمامه بمسؤولياتهم في التناقض التي أدوها على أكمل وجه فسجنوا من خلاله من أرادوا أن يسجنوا حتى غصت السجون بكل من عكر، أو حاول أن يعكر، أمزجتهم التناقصية.
وبعد اعتلاء معاويه ولد سيد احمد الطايع سدة الحكم بانقلاب عسكري وجد هو ورفاقه أنهم لا يحكمون بلدا وإنما تناقضات أقامها سكان "الديالكتيك"، فقام بإطلاق سراح السجناء؛ إلا أنه ما لبث؛ أن أقنعوه بتناقضات أخرى كلفهم بتسييرها، فحلقوا بجناحين في سبيل ذلك، جناح في المعارضة من أجل تفكيكها، وآخر في الموالاة مهمته حل المشاكل العويصة التي يخلقونها؛ واستتب لهم الأمر على هذا النحو" أدراكونيDraconien " إلى أن تمت الإطاحة بنظام ولد الطايع فجن جنونهم من أجل خلق تناقض بين أعضاء المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية بواسطة الجناح الذي ظل في الموالاة ولم يفلحوا في ذلك... وهاهم الآن يقيمون الدنيا ولم يقعدوها من أجل خلق تناقض بين المؤسسة العسكرية والسيد الرئيس سيدي والد السيخ عبد الله مصورين له الأمر على أن قاعدة اللعبة الديمقراطية تقضي أن لا يكون للمؤسسة العسكرية أي دور في الشأن العام رغم أن بعض الخاصة يعرفون أن محمد ولد مولود نصح السيد الرئيس في بداية ترشحه قائلا " أنصحك بأن لا تترشح إلا إذا تأكدت من دعم المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية لترشحك" وأنه في اتصال آخر قال له: "سنبقى في المعارضة من أجل تهدئة الأوضاع وفرض السيد احمد ولد داداه على قبول نتائج الانتخابات"، وقد اعترف الرجلان بنتائج الانتخابات التي دعمت فيها المؤسسة العسكرية ترشح السيد الرئيس.
إن مأساة هذين الرجلين، و من على شاكلتهما، أنهما لا يمكن أن يعيشا دون تناقضات مع طرف، في حين نحتاج جميعا إلى من يعمل على التوافق وطرح البدائل لا من يعمل على خلق التناقضات والعمل على ضرب طرف بطرف آخر.
وليس غريبا أبدا أن يعتبر الرجلان ملتمس سحب الثقة من الحكومة الفاسدة، التي يريدون استغلال ظروف فسادها، انقلابا على الديمقراطية وتدخلا سافرا من المؤسسة العسكرية لا مبرر له، لأنهما لم يضعا للرأي العام الوطني الذي ضاق ذرعا بالفساد والمفسدين أي اعتبار.
والواقع أن المعركة الدستورية التي يخوضها البرلمان الوطني ستشكل تجربة ديمقراطية رائدة، قل نظيرها في العالم الثالث، لا تقل أهمية عن الطريقة التي تمت بها الانتخابات الرئاسية الذي شهد العالم بنزاهتها وشفافيتها، و التي أرادت المؤسسة العسكرية لها أن تكون كذلك.
و إن على الرجلين أن يتغيرا ويفهما قواعد اللعبة الديمقراطية الجديدة التي لا ينفع فيها ذكاء مؤسس على التناقض والصرع لم يعد يخفى على أحد أهدافه ومراميه السياسوية التي حكما بها، ومن على شاكلتهما، هذا البلد ما يزيد على أربعين سنة.
و إن الأسابيع المقبلة ستكشف عمن ستدور عليه دائرة عشاق الصراعات والتناقضات ويدخلانه في دائرتهما.
إلا أنه على جميع القوى الحية أن تقف بالمرصاد لمهاراتهما في التلاعب بثوابت الأمة ووئام الشعب، حتى ينعم بديمقراطيته وممارسة حقوقه الدستورية دون مزايداتهما المتهاترة.
الأستاذ/ بوننا ولد سيدي ولد أعثيمين
متى يتصالح محمد المصطفى ولد بدر الدين مع ذاته؟
جمع ولد بدر الدين بيضه في سلة واحدة على غير عادته، متكلا على مهاراته الشخصية ومهارات رفاق دربه، وحزم أمره والتحق بؤلائك الرفاق الذين كان يتبادل معهم الشتائم ضحى والريوع والمنافع ليلا.
وبما أنه حذف منذ زمان من قاموسه السياسي مصطلحات على شاكلة: الطبقة الكادحة، نقيضة الطبقة البورجوازية، الرأسمالية المتوحشة، إتحاد قوى العمال، الاشتراكية العالمية، و إلى آخره.... فإنه حذف مصطلحات أخرى كان يستعملها قبل الثالث من أغشت ألفين و خمسة : كالمصلحة العليا للوطن، محاكمة رموز الفساد، ومحاربة الرشوة، وحسن التسيير... ولم نعد نسمع منه عنها شيئا...
لقد اعتقد الرجل، عن خطأ، أن الناس سترحب وتبارك حكومة رموز الفساد وأن الحكم سيستتب لهم لذلك دخل حكومتهم دون أن يسأل عن شيء أو يشترط شيئا مكتفيا بدخول الحكومة وحسب.
ولقد أثار شفقة جميع من رأوه مساء أمس على شاشة الجزيرة يدافع بكل ما أوتي من قوة عن الحكومة التي كان يتظاهر بالتهجم عليها يوم كان يلبس لباس المعارضة ... وحيدا يقف في وجه الرأي العام الوطني لا تسانده معارضة ولا موالاة.
ويعرف الرجل في قرارات نفسه أن نجمه السياسي قد أفل و أنه لم يعد ينطلي على أحد ما يرمي إليه و يسعى من دخول حكومة النحس.
كما يعرف أن سقوط حكومة النحس سيكون هو أول المتضررين منه: أولا: لأن الوقت ضايقه قبل أن يحصل على غنيمة من النوع الكبير،وثانيا: أنه أفسد الصورة التي طبعها بديماغوجياته في أذهان الناس ولن يكون في مقدوره تصليحها ما حيى.
لكل ذلك، فقد توازنه مساء أمس الأول على شاشة الجزيرة وقال أمام الناس ما لا يمكن أن يصدقه أحد من أن المؤسسة العسكرية الجمهورية التي قدمت الديمقراطية للمواطنين وأعطت درسا فيها لأشقائها العرب تريد أن تنتزعها بواسطة البرلمان الذي أضحى من نزلاء الديمقراطية الحقة بممارسته لحقه الدستوري في الإطاحة بحكومة لا يستطيع أحد الدفاع عنها، ولا تستطيع هي بالأحرى الدفاع عن نفسها؛ و لا أدل على ذلك من أن جميع من استضافتهم وسائل الإعلام من أعضاء هذه الحكومة انشغلوا بالدفاع عن أنفسهم دون أن يروا متسعا للدفاع عن أي شأن آخر.
وإذا تجاسر أحد وانبرى للدفاع عنها فإنه لا يتجاوز حدود القول: "إنه من غير المنطقي محاسبة حكومة لم تقدم بعد برنامجها" دون أن ينفي أي صفة من الصفات التي يلاحقها بها الرأي العام الوطني.
في واقع الأمر، على ولد بدر الدين أن يتصالح مع نفسه لمرة واحدة في حياته ويستسمح هذا الشعب الذي لم يبق منه إثنان إلا وزرع بينهما التناقض والتضاد، والبغضاء، ويتركه يعيش في أمان و وئام .
الأستاذ/ بوننا ولد سيدي ولد أعثيمين
تاريخ الإضافة: 30-06-2008 15:14:39 |
القراءة رقم : 1423 |