النص الكامل لخطاب رئيس الجمهورية حول الأزمة السياسية الراهنة
رئيس الجمهورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
|
أيها المواطنون .. أيتها المواطنات
أخاطبكم اليوم وأنتم تتابعون السعي الجاري لحجب الثقة عن الحكومة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلد.
أخاطبكم لأؤكد لكم أولا: تمسكي الشديد بالنهج الديمقراطي الذي كسبت به ثقتكم الغالية وعاهدتكم من خلاله على السعي لخدمة الوطن بصدق وجد وإخلاص، ولأؤكد لكم ثانيا : حرصي بمقتضى ثقتكم وبحكم مسئوليتي الدستورية على صيانة هذا النهج من أي انحراف، مهما كان الثمن.
أخاطبكم وأنا أومن كل الإيمان بأنه من حق نواب الشعب، بل ومن واجبهم، أن يؤدوا دورهم الطبيعي في مراقبة الحكومة ومساءلتها بل وفي حجب الثقة عنها عند الاقتضاء.
لكنني أتساءل معكم عن الدوافع والمبررات والأهداف الحقيقية خلف السعي في هذا الوقت وفي هذه الظروف بالذات لحجب الثقة عن حكومة وليدة.
وأنتم تعلمون كما أعلم أن الدوافع التي ذكرت تصريحا أو تلميحا هي دوافع مختلفة، منها على سبيل المثال؛ ما يتعلق بتطلعات شخصية، ومنها ما هو مآخذ لبعض الحزبيين على حزبهم، ومنها ما هو اعتراض على توسيع الأغلبية الرئاسية، ومنها ما يستند إلى رغبة في الإصلاح وخوف من العودة إلى الوراء.
وكلها دوافع، رغم ما لبعضها من أهمية، لا تبرر الحالة القائمة.
فالتطلعات الشخصية قد تكون مشروعة، لكن الأسلوب المتبع ليس أفضل الأساليب لتحقيقها، والمؤسسات الدستورية أهم من أن تكون أداة لمثل تلك التطلعات.
أما المآخذ الحزبية فبإمكان أصحابها أن يعالجوا قضيتهم من داخل الحزب الذي ينتمون إليه، أو بأي أسلوب مشروع آخر لا يؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسات.
وقد كان من الأولى أن يكون توسيع قاعدة الحكم هدفا نبيلا لكل أغلبية تريد أن تحكم بسلاسة، خاصة إذا كان من يلتحقون بها يشاركونها أساسيات برنامج العمل، وبالأخص إذا تعلق الأمر ببلد مثل بلدنا يحتاج إلى مزيد من لم الشمل ورص الصفوف.
أما الذين يسعون حقا إلى الإصلاح فأريد أن أطمئنهم إلى أن هدفهم هو هدفي، وهو عقد بيني وبين كل من أستعين بهم في أي موقع من مواقع العمل الحكومي، بغض النظر عن صفاتهم الشخصية ومواقعهم السابقة.
وكل أملي هو أن يكون الإصلاح مطلب كل المنتخبين ومسعى كل الموظفين وغاية كل المواطنين. وسأظل أصغي بانتباه إلى كل من يمارسون نقدا موضوعيا وينشدون الإصلاح بصدق وأمانة
وفيما يتصل بالشائعات التي تتردد حول علاقة رئيس الجمهورية ببعض كبار الضباط، أريد أن أؤكد أن أؤلئك الضباط مؤتمنون على وظائفهم، وهم بذلك يستحقون ثقتي ويحظون بها كاملة غير منقوصة.
وأنا أعول على الله أولا ثم على سائر أفراد قواتنا المسلحة وقوات أمننا لمواصلة أداء المهمات السامية الموكلة إليهم بكل مهنية وإتقان.
أيها المواطنون ــ أيتها المواطنات..
إن السعي لحجب الثقة عن الحكومة في هذه الظروف يبدو مستغربا أيضا لسببين:
السبب الأول: هو أن معظم المنتسبين لمبادرة حجب الثقة هم أعضاء في حزب يشغل موقع القيادة في الحكومة باعتباره الحزب الأقوى حضورا في المؤسسة التشريعية.
وإنها لمفارقة غريبة أن يكون نواب من الأغلبية ضد حكومة الأغلبية، وأن يعمل هؤلاء النواب لحجب الثقة عن حكومة يشكلون هم أنفسهم سندها الطبيعي.
أما السبب الثاني فهو أن الحكومة لم تقدم بعد برنامجها السياسي حتى يقبل أو يرفض عن بينة، ولم تمنح الحد الأدنى من الوقت للحكم على أدائها بشكل موضوعي.
فما الذي يدفع حقيقة إلى حجب الثقة عن حكومة عمرها شهر ونصف؟؟ وما الذي يحمل على التسرع والمبالغة في تحميلها مسئولية أخطاء لم تجد حتى الوقت الكافي لارتكابها؟
أيها المواطنون .. أيتها المواطنات
إنني إذ أفترض حسن النية لأصحاب المبادرة ولمن التحقوا بها، وإذ أشكر لهم ما أعلنوه في تصريحاتهم من استمرارهم في دعمي والعمل معي من أجل تطبيق البرنامج السياسي الذي انتخبني المواطنون عليه، أدعوهم جميعا إلى مراجعة موقفهم، والتوقف عن مبادرة من شأنها أن تربك سير مؤسساتنا الدستورية وتهدد استقرارها.
أدعوهم جميعا إلى أن لا يجعلوني في وضع أشعر فيه بأن ثقتي بهم ليست في محلها، وأن علي أن أتحمل مسئولياتي الدستورية كاملة بما فيها إمكانية حل البرلمان. إنني أرجو أن لا أضطر لذلك، لوعيي بما يكلفنا هذا الخيار من وقت وجهد وإمكانيات أتمنى أن نصرفها في تنمية بلادنا وفي توفير الغذاء والتعليم والدواء وكل أسباب الرفاه لشعبنا العزيز ولكنني لن أتردد في اتخاذ هذا القرار إذا تبين أن ذلك ضروري لتقويم المسار وصيانة الديمقراطية، وحتى لا يكون الشطط في استغلال هوامش الحرية الفسيحة وسيلة لتعطيل العمل الحكومي وتشويه صورة المؤسسة التشريعية.
وأيا كان القرار الذي سيتعين علي اتخاذه، فإنني سأظل متمسكا بسنة التشاور التي أسسنا عليها عملنا منذ البداية، وسأحرص على أن يستمر شعبنا في التمتع بما تتيحه له تجربتنا الديمقراطية الفتية من ثمار الحرية والوئام والسمعة الدولية الطيبة.
قال تعالى: (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) صدق الله العظيم.
عاشت موريتانيا حرة ديمقراطية موحدة.
تاريخ الإضافة: 02-07-2008 13:17:34 |
القراءة رقم : 1416 |