"ونا" تنشر نص خطاب الرئيس المخلوع بمناسبة عيد الاستقلال
الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
|
توصلت"وكالة نواكشوط للأنباء"بخطاب الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله الذي كان من المقرر أن يلقيه أمام جمهور من أنصاره بقرية لمدن مقر إقامته الجبرية بمناسبة عيد الاستقلال الوطني وقد تحدث الرئيس المخلوع في الخطاب عن حرصه الدائم أثناء فترة حكمه على التشاور المستمر مع المنتخبين والفاعلين السياسيين والاجتماعيين
كما تحدث عن العديد من الإنجازات التي قال إنها تحققت في عهده.
وفيما يلي النص الكامل خطاب الرئيس المخلوع سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله بمناسبة عيد الاستقلال الوطني.
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المدعوون،
مواطني الأعزاء،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
يطيب لي أن أخاطبكم، بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لاستقلال وطننا الذي يجتاز اليوم مرحلة بالغة الخطورة من تاريخه.
فقد فتحت الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة لبلادنا آفاق الانطلاق بخطى ثابتة على درب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستديمة، في جو من الوئام الوطني واستقرار المؤسسات. غير أن هذه الآمال المشروعة قد تم تحطيمها يوم 6 أغشت بفعل شخص حملته طموحاته الشخصية على استخدام قوة السلاح لتقويض الشرعية الدستورية، ونقض العهود المعقودة أمام المجموعة الدولية، مستخفا بالإرادة الشعبية التي أظهرتها صناديق الاقتراع.
لقد كان التصويت الحر، طبقا للبرنامج الانتخابي الذي تقدمت به إليكم ووافقتم عليه، بمثابة تفويض يقتضي تجديد المناهج السياسية المتبعة في جميع المناحي، بما يشكل قطيعة تامة مع الممارسات الموروثة عن الماضي.
وهكذا رفضت من البداية ممارسة السلطة بشكل فردي، فأعطيت الحكومة ومؤسسات الدولة الأخرى جميع صلاحياتها، كما منحت قادة الجيش والأمن الوطني دعما قويا وثقة كاملة فيما يتعلق بقضايا الأمن.
وإنطلاقا من كوني رئيسا لجميع الموريتانيين، فقد حرصت على التشاور المستمر مع المنتخبين والفاعلين السياسيين والاجتماعيين،سواء من الأغلبية او المعارضة، وكذلك مع المستثمرين الاقتصاديين. كما حرصت على أن أظل قريبا من المواطنين العاديين، وأن أتحدث للجميع بنفس اللغة، لغة الاحترام والترحاب، ولكنها في نفس الوقت لغة الصدق والمصارحة، بعيدا عن أساليب الديماغوجية والاستبداد.
وكنت أعلم أن الكثيرين، ممن تعودوا منذ عقود من السنين، على أساليب التسلط الفردي وعبادة الدولة، قد يعتبرون ذلك نوعا من الضعف، وقد لا يفهمون أنه تعبير عن إرادة جادة تتوخى التمكين لثقافة سياسية قوامها حرية المواطن وكرامته أولا وأخيرا.
وترجمة لهذا التوجه، دعوت الأغلبية التي كانت تساند الحكومة قبل الزج بها في الأزمة المفتعلة، إلى أن تكون منبها للعمل الحكومي ورقيبا عليه، بعيدا عن أساليب التملق والتأييد الأعمى.
أما المعارضة، فقد كانت تتمتع بجميع الضمانات التي يكفلها لها القانون، وظل باب التشاور مع السلطات مفتوحا أمامها كلما رغبت في ذلك.
وفي نفس السياق كان من اللازم استعادة الوئام الوطني، عن طريق عودة المبعدين، وتحقيق الرقي الاجتماعي، عبر تجريم الاسترقاق، وصولا إلى تعزيز وحدة شعبنا، مع التأسيس لدولة القانون في كل تجلياتها، باعتبار الإنجاز الفعلي لهذه المتطلبات شرطا لا غنى عنه لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويتذكر الجميع أن أوضاع البلاد الاقتصادية، غداة استلامي للحكم، كانت مثيرة للقلق. إذ كانت المالية العامة الوطنية مثقلة بعبء ديون تصل تتجاوز 700 مليار أوقية، يعود ثلثها إلى الاستدانة الداخلية الناجمة عن التزامات الخزينة العامة وديون كبريات المؤسسات العمومية. أما ميزانية 2007 الأولية، فقد كانت تعاني من عجز غير متوقع يصل إلى 30 مليار تقريبا، أي ما يناهز مجموع ميزانية الاستثمارالممول بموارد داخلية. وكان النقص في مياه الشرب والطاقة الكهربائية في نواكشوط وفي داخل البلاد بمثابة عائق جدي أمام أي مجهود لتحسين ظروف حياة المواطنين وترقية النشاط الاقتصادي. وكان النظام التربوي عاجزا بالفعل عن أداء مهمته في التكوين والتعليم والاستجابة للمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية في البلاد. أما مؤشرات نظامنا الصحي فقد كان أغلبها ينذر بالخطر.
وهكذا فقد كان من الضروري إعطاء الأولوية للاصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بمعالجة هذه الأوضاع وتنفيذ برنامج طموح للاستثمار العمومي يضمن على الخصوص توفير الخدمات الاجتماعية الأساسية ومحاربة الفقرعبر إنجاز النمو الاقتصادي بوتيرة أسرع ولصالح قاعدة اجتماعية أوسع.
وكانت تعبئة التمويلات المطلوبة وإشاعة مناخ جاذب للإستثمار الخصوصي الأجنبي،و ملائم لمستوى تنافسية المستثمرين الخصوصيين الوطنين من أهم التحديات التي واجهتنا.
وقد تكللت ولله الحمد جهودنا بالنجاح، حيث أعددنا في أقل من سبعة أشهر، برنامجا للإستثمار على مدى السنوات الثلاثة القادمة، وحصلنا على تمويله بمبلغ يصل إلى 3 مليار دولار، 2,5 مليار دولار منها في إطار المساعدات الأجنبية. و قد تم بالفعل توقيع اتفاقيات بهذا الخصوص وصل مجموع تمويلاتها إلى 600 مليون دولار. كما حصلنا فضلا عن ذلك، على وعود بمزيد من الإستثمارات في البلاد من لدن المستثمرين الخصوصيين الأجانب بمبلغ يصل إلى 6 مليار دولار.
ولم نكن لنصل إلى هذه النتائج لولا نجاعة برنامجنا التنموي الثلاثي، ونموذجية ديمقراطيتنا، وسلامة التوجهات التي التزمنا بها في ميدان الحكم الرشيد.
وفي ميدان الخدمات الأساسية، استطعنا خلال فترة لم تتجاوز بضعة أشهر تخفيف حدة المشاكل الأكثر إلحاحا في أنواكشوط وأنواذيبو. فتم ضمان التزويد المنتظم بالكهرباء، وتعزيز شبكة إديني المائية، بحيث تفادينا في سنة 2008 مصاعب التموين التي واجهتها البلاد في سنة 2007، مباشرة بعيد تشكيل الحكومة. وعلى المدى المتوسط والبعيد، حصلنا خلال فترة قياسية على تمويل إضافي بقيمة 217 مليون دولار، بهدف إنجاز مشروع آفطوط الساحلي، كما حصلنا على تمويل يضمن زيادة الطاقة الكهربائية في أنواكشوط بقدرة 60 ميغاوات إضافية، وتجهيز محطة كهربائية كبرى في أنواكشوط تصل طاقتها إلى 160 ميغاوات، وذلك قبل الدخول في محادثات مع شركة بتروناس بهدف بناء محطة تعمل بالغاز لتوليد الطاقة الكهربائية بقدرة تصل إلى 700 ميغاوات .
وفي داخل البلاد، مكن البرنامج المائي الإستعجالي من تلافي خطر العطش الذي كان يتهدد عشرات القرى خلال موسم الحر 2007- 2008 .وقد كان من المنتظر تحقيق تقدم كبير في هذا المجال مع البدء في تمويل مشروع "اظهر" لفائدة مدن النعمة، تمبدغة،أمرج وعدل بكرو، وإنجاز مشروع نقل الكهرباء على محور روصو بوكى.
وفي مجال البنى التحتية، حظيت الطرق بأهمية خاصة، حيث تم التوقيع على اتفاقيات تمويل بمبلغ إجمالي قدره 270 مليون دولار لإعادة تأهيل طريقي كيفة -الطينطان ونواكشوط- روصو وإكمال التمويل الخاص ببناء طريق أطار- تيجكجة. وكان من المتوقع أن يشهد ميناء نواكشوط توسعة تسمح بمضاعفة طاقته الاستيعابية، بعد أن تجاوزت النشاطات طاقة استيعاب منشآت الميناء الحالية.
وفي ميدان الأمن الغذائي، واجهنا أزمة الإرتفاع العالمي غير المسبوق لأسعار المواد الغذائية والبترول، بإطلاق "برنامج التدخل الخاص" الذي أجمع المختصون في هذا الشأن، مثل صندوق النقد الدولي، ومنظمة الأغذية والزراعة، وغيرها من الهيئات الأممية المختصة، على الإشادة به بإعتباره برنامجا نموذجيا على أكثر من صعيد .
فبالإضافة إلى تأمين التموين،وتثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية،وزيادة الرواتب بصورةمعتبرة، تم الشروع ضمن هذا البرنامج في سياسة تنموية ريفية جديدة كان من نتائجها ارتفاع الإنتاج في سنة 2008 إلى مستوى غير مسبوق، مقارنة مع نتائج الحملات الزراعية السابقة. وكان من المتوقع أن تصل بلادنا إلى تحقيق الإكتفاء الذاتي من الحبوب في أفق سنة 2012 ،بفضل استصلاحات زراعية جديدة كانت المفاوضات حول تمويلها قد وصلت إلى مراحل متقدمة .
وفي ميدان مكافحة البطالة في صفوف الشباب، تم إعداد برنامج دمج لصالح 4000 شاب عاطل، يستفيدون من التكوين المهني والقروض الخفيفة الميسرة.
وتجسدت التوجيهات الجديدة في ميدان ترقية المرأة عبر تعيين عدد أكبرمن النساء ضمن القطاعات الوزارية، وتعيين نساء، لأول مرة في بلادنا، لشغل مناصب رئاسة البعثات الدبلوماسية والإدارات الإقليمية.كما تم توفير تمويلات مهمة للنشاطات المدرة للدخل التي تقوم بها النساء في كل ولايات الوطن.
وفي ميدان الإسكان، تم إعطاء الأولوية لحل مشاكل الأحياء الهشة المعروفة بالكبات والكزرات في هوامش المدن، وبدأ توزيع القطع المستصلحة حيث استفاد منها حتى الآن بعض المواطنين في مقاطعات الميناء وعرفات ونواذيبو خلال سنتي 2007- 2008.وكان من المقرر الإستمرار في هذه السياسة لصالح الأحياء الأخرى في نواكشوط.
وفي ميدان التعليم، أدخلت إصلاحات جوهرية، استهدفت في المقام الأول تحسين ظروف العمل والدراسة لصالح المدرسين والتلاميذ ، حيث تعززت مخصصات المدرسين وتقرر توزيع التجهيزات و الكتب والأدوات المدرسية على التلاميذ. وتم تنصيب اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد المنتديات العامة للتعليم بهدف التوصل إلى إصلاح جذري للنظام التربوي من حيث المضمون و التنظيم، مع مراعات الإنسجام التام مع أوضاع البلاد الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وفي الميدان الصحي، عملت الحكومة على تحسين التغطية الصحية من خلال بناء وإعادة تأهيل وتجهيز المراكز الصحية في ست ولايات من الوطن،كما عملت على ترقية المصادر البشرية والرفع من نوعية الخدمات الصحية والحد من إنتشار الأمراض الوبائية.
وعلى المستوى الخارجي، وبفضل النجاح الملحوظ في التحول إلى القيم الديمقراطية، أصبحت بلادنا تحظى بمكانة بارزة في العالم عموما، وفي محيطها الإسلامي والعربي والإفريقي خصوصا، وبذلك تعزز إسهامها في بناء المغرب العربي، وبرز دورها داخل الإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ، كما تعززت مكانتها كشريك معتبر في الحوار الأورومتوسطي.
أيها السادة والسيدات، مواطني الأعزاء،
إن بلادنا تزخر بثروات هامة لايمكن إستغلالها بشكل ناجع،بدون الحصول على دعم شركائنا في التنمية و توفير الظروف المناسبة لتدخل القطاع الخاص الوطني والدولي.وقد حصلنا بالفعل على هذا الدعم وبدأنا بناء على ذلك مسارا حثيثا نحومزيد من التنمية الإقتصادية والإجتماعية.
إن الإنقلاب المدبر يوم 6 أغسطس 2008، ينذر بإنسداد هذه الآفاق الواعدة ، ولاشك أن السلم الأهلي والهدوء السياسي الذي عرفته البلاد طيلة مايزيدعلى السنة، قد أصبح اليوم مهددا بصورة جدية، مالم يتم إفشال هذا الإنقلاب الذي يسعى مدبروه إلى إلقاء بلادنا في غياهب الدكتاتورية والإستبداد. إنهم يتخدون الشعب رهينة ويطبقون سياسة العصا والجزرة، في محاولة لإعطاء العالم صورة خادعة لنوع من الإجماع الشكلي الذي أظهرت الإنقلابات المتتالية منذ 1978 مدى زيفه وانعدام جدواه.
لقد ذاق شعبنا طعم الحرية والكرامة المستعادة، وعبر بقوة عن إستعداده لبذل الغالي والنفيس دفاعا عن الديمقراطية والشرعية الدستورية.
وستنتصر بحول الله إرادة شعبنا على سطوة القمع ومصادرة الحريات والمضايقات المختلفة،و لن تؤثر الإعتقالات التعسفية وما صاحبها من إتهامات باطلة وحجج واهية، في حق قادة الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، لا سيما الوزيرالأول، ورفاقه بمن فيهم أحد أعضاء الحكومة، ووزراء سابقون، كل ذلك لن يؤثر على إرادة شعبنا المصمم على إستعادة حريته واسترجاع كرامته.
السادة الحضور ، مواطني الأعزاء،
أشكركم أفرادا وجماعات،
أشكر الأحزاب السياسية،والنقابات،ومنظمات المجتمع المدني، وقادة الرأي والشخصيات الوطنية.
وهنيئا لكم جميعا على هذه الوثبة الوطنية العارمة، التي لم يكن هؤلاء الإنقلابيون يتصورونها، لأنها جاءت بشكل غير مسبوق، رفضا للظلموالتعسف، وتشبثا بمنجزات البلاد في ميادين الحرية والديمقراطية التي هي قاعدة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستديمة.
ولا شك أن المجموعة الدولية، بإصرارها على عودة النظام الدستوري، إنما تقدم دعمها المعتبر لنضالكم الوطني المشروع.
وسنواصل بعزم وإصرار نضالنا الديمقراطي،باستخدام الوسائل السلمية، لإفشال هذا الإنقلاب ، والقضاء نهائيا على أية نزعة للإستيلاء على السلطة بالقوة في بلادنا، عن طريق إعادة النظام الدستوري بوصفه شرطا لاغنى عنه لترسيخ تقاليد التناوب السلمي على السلطة، حتى يصبح شعبنا في وضع سياسي مستقر يمكنه من التفرغ لمكافحة الفقر والعمل على تحسين ظروف المواطنين، في جو من السكينة والهدوء. فبذلك وحده نضمن إستئناف المسيرة التنموية التي بدأتها البلاد في الفترة السابقة على الإنقلاب، مع تصحيح الأخطاء التي لا تخلو منها أية تجربة.
وكما أعلنت لكم من قبل، وكما سوف أؤكد للمجموعة الدولية خلال الأيام القادمة، فإنني أعتبر إفشال إنقلاب السادس من أغسطس 2008 شرطا لا غنى عنه للوصول إلى أي حل يضمن الخروج من الأزمة التي تشهدها بلادنا.
وبما أن مصلحة البلاد العليا تظل بالنسبة لي أهم من جميع الإعتبارات الشخصية ، فإنني أعيد في هذا المقام، تأكيد إستعدادي فور إفشال هذا الإنقلاب، لبذل كل الجهود، من أجل الوصول إلى حل يرضي الجميع، بعيدا عن تصفية الحسابات، وفي جومن الصفح والتسامح.
عاشت موريتانيا حرة ديمقراطية ومزدهرة
"ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون"
صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تاريخ الإضافة: 30-11-2008 16:22:20 |
القراءة رقم : 1546 |