من قتل الصحفيين الفرنسيين في كيدال؟
الصحفيين الذين قتلا في كيدال
|
شكلت حاثة مقتل الصحفيين الفرنسيين العاملين يإذاعة فرنسا الدولية غيسلان دوبو وكلود فارلون بعد ساعات من اختطافهما يوم أمس السبت في مدينة كيدال بأقصى إقليم أزواد شمال مالي، صدمة لزملائهم وللصحفيين المهتمين بالمنطقة بشكل عام، وقد أثارت الحادثة العديد من التساؤلات حول حقيقة من يقف خلفها وما هو الهدف الحقيقي من ورائها.
ورغم غياب الأمن في المنطقة منذ فترة إلى أن الصحفيين ظلوا بمنجاة من خطر الفوضى الأمنية التي يعرفها إقليم أزواد، حيث تنشط الجماعات الإسلامية المسلحة، والحركات المتمردة، وعصابات المخدرات وقطاع الطرق والمليشيات القبلية وغيرها، وهو ما جعل حادثة مقتل الزميلين غيسلا وكلود، محطة تستحق التوقف عندها لقراءتها بتعمق، ونظرا لأن المعلومات المتعلقة بالفاعلين لم تكشف حتى الآن، وما يزال الغموض يلف هويتهم، إلا أن المعطيات المتوفرة تحيل إلى احتمالين:
الأول: أن الأمر يتعلق بعملية نفذتها إحدى جماعتين إسلاميتين تنشطان في المنطقة وهما تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، وجماعة "المرابطون" المنبثقة مؤخرا عن اتحاد جماعة الملثمون وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، بينما يستبعد بشكل كبير ضلوع حركة أنصار الدين في حوادث اختطاف وقتل كهذه، لكن المؤشرات المتوفرة حول الحادث لا تساعد على توجيه أصابع الاتهام إلى المسلحين الإسلاميين بهذه السرعة، إلا في حالة واحدة وهو أن تكون القوات الفرنسية أو الافريقية نفذت محاولة لإنقاذ الرهينتين انتهت بقتلهما، حيث درجت هذه الجماعات على تصفية رهائنها متى ما أحست بخطر إفلاتهما من قبضتها، غير المصادر المتوفرة تؤكد العثور عليهما مقتولين دون محاولة تدخل لإنقاذهما، وهو ما يستبعد فرضية تصفيتهما على يد المسلحين الإسلاميين، حيث يعتمد هؤلاء عادة على الاختطاف والمفاوضات، وليسوا في عجلة من أمرهم بهذا الخصوص ، فقد أفرجوا قبل أيام عن أربعة فرنسيين قضوا في قبضتهم أزيد من ثلاث سنوات، فكيف لم يتح لهم أن يصبروا على حياة صحفيين ثلاث ساعات فقط، كما أن تلك الجماعات لم يعرف عنها استهدافها للصحفيين في المنطقة، بل عمدت إلى التعاطي معهم أحيانا، وتزويدهم ببعض المعلومات والبيانات، وإذا ما تأكد بشكل فعلي أن الزميلين لم يقتلا أثناء محاولة تخليصهما فإن احتمال مقتلهما على يد المسلحين الإسلاميين يبقى شبه مستبعد، اللهم إلا إذا توفرت معطيات أخرى تتعلق بنشاطهما أو ما تتصوره تلك المجموعات عن ذلك النشاط.
ولن يطول صمت تلك الجماعات ـ كما جرت العادة ـ إذاكان هي التي تقف وراء الحادثة، حيث درجت على تبني عملياتها والكشف عن دوافعها وأسبابها، وأحينا تتحدث تلك لتبرأ نفسها من بعض العمليات التي تحدث في المنطقة، كما حصل عندما تبرأ تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي من تفجير مقهى في مراكش سنة 2010، وتبرأ أيضا من حادثة اختطاف ثلاثة رعايا غربيين من مخيمات اللاجئين الصحراويين جنوب الجزائر في أكتوبر سنة 2010، على يد جماعة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا.
الاحتمال الثاني أن الأمر يتعلق بعملية سطو نفذتها عصابة من قطاع الطرق ـ وكثيرة هي في أزواد ـ بحثا عن المال، وهو احتمال يجد في المؤشرات المتوفرة الأولى عن الحادث عضدا له، حيث أن قطاع الطرق في المنطقة درجوا على القتل بسهولة، إذ لم يعرف من بين ضحاياهم من نجا من اغتيالهم بعد السطوا عليه، فقد أعدموا عددا من السائقين والتجار والمنمين بدم بارد بعد الاستيلاء على سياراتهم وممتلكاتهم، وبالتالي فمن المحتمل أن يكون استهداف الصحفيين تم بناء على تصور لدى الفاعلين أن بحوزتهم أموالا يمكن الاستيلاء عليها، وهذا ما تعضده سرعة عملية القتل التي تمت بعد الاختطاف بقليل، حيث يتضح منها أن الهدف لم يكن الاختطاف والاحتفاظ بالرهينتين، وإنما كان الهدف هو ما بحوزتهما، والتخلص منهما، هذا مع تصور لدى الكثيرين في المنطقة أن الصحفيين عادة ما يتحركون بأموال كبيرة لتأجير حراس وسيارات والتنقل والإقامة في الفنادق وغيرها.
إلا أن كل هذه الاحتمالات نبقى مجرد افتراضات ، في انتظار مزيد من المعلومات بشأن الحادثة والظروف التي حصلت فيها، وعمليات تعقب الفاعلين، مع امكانية أن تظهر مؤشرات جديدة قد تبعد الاحتمالين الآنفي الذكر وتحيل إلى احتمالات أخرى ربما تتعلق بالصراعات القبلية أو الحركية في أزواد أو غيرها من شبكة المخاطر والتعقيدات التي لا حصر لها في أزواد.
م.م. ابو المعالي
 |
تاريخ الإضافة: 03-11-2013 18:07:14 |
القراءة رقم : 990 |