رحيل اعل الشيخ ولد امم.. يُتم وطن
ودع الدنيا غير آسف عليها وإن تأسفت هي عليه وجزعت، واتشحت بالسواد حزنا على رحيله، إنه الشيخ اعل الشيخ ولد امم أحد أبرز أقطاب هذه الأمة، ورموزها الدينية والروحية.
رحل اعل الشيخ ولد امم إلى لقاء ربه الذي خطط له طويلا، واستعد كثيرا، وحمل الزاد والميرة لهذا اليوم الموعود، فدخل الحزن كل بيت وكبرت المصيبة وعم الفزع، تيتمت مدينة أطار، ومن ورائها وطن أصابه سهم المنون في غرته.
وكيف لا تهتز النفوس لرحيله، وتفرغ الأفئدة لفقده، إنه واحد من أقطاب الدين الذين أقبلت عليهم الدنيا بمخاطمها فأعرضوا عنها صفحا، كان عابدا زاهدا متنسكا، تجبى إليه ثمرات الأرض وأموال أهلها، فيوزعها في مصارفها غير مكتنز ولا مدخر، يأكل ما رخص ويقيم في سكن لا يقبل به أفقر فقراء المدينة، عاش في أكنافه اليتيم والفقير والسائل والمحروم وابن السبيل، وعاش هو مستعصما بربه مستمسكا بعروة كتابه وسنة نبيه، لم تلهه الدنيا بزخرفها ولم يغُره المريدون بأعدادهم وأقدارهم، فظل التواضع شيمته وكريم الخلق سيمته.
رحل اعل الشيخ ولد امم إلى ربه وقد تزود لآخرته من دنياه وترك وراءه آلاف النفوس التي اعتادت أن تضرب إليه أكباد الإبل طلبا للطمأنينة الروحية في رحابه، وأخرى رامت لقمة عيشها وكسوة عريها في كنفه وسد لتها في إنفاقه.
رحل القطب العارف بالله، وخير من يرحل إلى الله هم العارفون به.. رحل وما في جعبته إساءة لابن آدم، ولا حقد أو غل عليه.. بل رحل والكل يحبه ويقدره ويجله.. تواضع لله فرفعه الله في نوفس خلقه، وعظم رب العباد فمنحه العظمة في نفوس عباده.
كانت جنازته حقيقة ناطقة بمكانة الرجل وعظمته في نفوس العارفين به والسامعين، فترى الأفاضل وأولى العلم والحكمة والفقه ناعين ومصلين ومعزين، الكل يدرك فضل الشيخ وحجم خسارة رحيله، لكن الجميع تعلم من الشيخ ـ رحمه الله ـ أن لا مصيبة بعد مصابنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الأسرة الكريمة والأبناء البررة فهم أدرى منا بما وصاهم به، وما علمهم وما وطن نفوسهم عليه، وفي مقدمته قول الله تعالى "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ".
إنا لله وإنا إليه راجعون.."
شيخنا ولد النني
 |
تاريخ الإضافة: 31-08-2013 03:43:13 |
القراءة رقم : 1535 |