إلى أين تتجه موريتانيا؟ ( رد الدكتور السفير السابق محمد الامين ولد كتاب)
د,السفير السابق محمد الامين ولد كتاب
|
أريد بهذا الصدد أن أكون متفائلا وايجابيا في مقاربتي لهذا السؤال أو البحث عن الرد على هذا السؤال، المشهد السياسي القائم اليوم هو نتيجة لمسار محدد تميز بتعرجات وقفزات إلى الإمام والى الوراء كما كان في بداية الأمر وهذه هي المحطات التي مر بها هذا الوضع.
كان هناك نظام سياسي جنح إلى الاستبداد والسلوك غير القويم فتمت الإطاحة به سنة 2005 وقام نظام انتقالي مهد لمجيء نظام ديمقراطي وكان ذلك سنة 2007، وبعد اقل من سنتين 16 شهر على وجه التحديد، قام نظام ديمقراطي جاء عن طريق الانتخابات عن طريق صناديق الاقتراع فأستبشر الناس به خيرا ورجوا منه شيئا ايجابيا، لكن هذا النظام مالبث عن انحرف عن جادة الطريق وعن مساره حيث آل تسيير الشأن العام إلى أناس عرفوا بالفساد مع الأسف والمحسوبية وعدم النزاهة، فتم رفض هؤلاء الناس فوقع احتقان وتقاطب في المشهد السياسي أفضى إلى انقلاب عسكري على ذلك النظام الذي جاء كما ذكرنا عن طريق صناديق الاقتراع وكان ذلك سنة 2008 .
انقسم الرأي العام الوطني تجاه ما وقع إلى فسطاطين اثنين فسطاط داعم للانقلاب العسكري فسطاط مناهض له، جاء اتفاق دكار وقام على إثره نظام انتقالي بعد استقالة ولد عبد العزيز وتولي رئيس مجلس الشيوخ الرئاسة المؤقتة للبلاد.
وقعت انتخابات حرة ونزيهة وشفافة فاز على إثرها محمد ولد عبد العزيز سنة 2009 على أسا برنامج سياسي واقتصادي قائم على أساس على محاربة الفساد وترشيد إمكانية البلاد وبذل كل الجهود لتزويد البلاد بالبنى التحية الضرورية التي تحتاجها اعترفت المعارضة على مضض بنجاح ولد عبد العزيز وتعاملت معه ودخلت مع السلطات في حوار طويل، وبعد فترة انسحب جزء من هذه المعارضة من عملية الحوار متهما النظام بعدم الجدية وباحتقار كل الفاعلين السياسيين والاستخفاف، بهم ثم نشأت وضعية تجاذب وتقاطب تحولت إلى مواجهات عنيفة وخصام شديد في هذا الشأن. بدأ جناح المعارضة المنسحب من الحوار يطالب برحيل النظام على غرار ما وقع في البلدان العربية التي عرفت ثورات الربيع العربي.
هذا الموقف لا يتبناه كل الفاعلين السياسيين في البلاد ولا تتبناه كل فصائل المعارضة ولا يتبناه كل الرأي العام الوطني حيث يعتبر هؤلاء أن النظام الحالي تم انتخابه ديمقراطيا لفترة انتداب معينة وعليه ينبغي أن يبقى في السلطة حتى نهاية المأمورية التي انيطت به وهو في اعتبارهم نظام شرعي يستمد شرعيته من صناديق الاقتراع والإرادة الشعبية وليس لأية جهة أن تطلب منه الرحيل .
جناح المعارضة الذي يتهم النظام بإقصائه واحتقاره يريد رحيله ويرى أن في بقائه في البلاد إضرار بها ومدعاة للصدام والخصام والعنف.
هذه هي الوضعية القائمة الآن وهذا هو الحراك الاجتماعي والسياسي الموجود اليوم، إنما رغم هذه الوضعية فأنا أرى أن البلاد تسيير إلى الإمام بخطى ثابتة حيث أن هناك حريات ديمقراطية مكرسة ويستفيد منها الجميع، يعنى هناك حريات للصحافة وحرية التعبير والتنظيم في حدود صيانة الأمن والاستقرار هناك كذلك ترشيد مؤكد للمقدرات البلاد، وهناك استثمارات في مشاريع وطنية هامة مثل الطرق والمياه والكهرباء وغير ذلك من البني التحتية، هناك كذلك إلى جانب هذا إقبال كبير جد للمستثمرين الأجانب للعمل في بلادنا، فهناك عشرات الشركات تقبل على الاستثمار في بلادنا، كذلك هناك ثقة كبيرة للموليين في البلاد والسياسات التي تنتهجها مثل البنك الدولي والبنك الإسلامي والصناديق العربية وغيرها من الممولين.
صحيح هناك انفجار في المطالب من طرف الشركاء الاجتماعيين والهيئات الطلابية وغير ذلك ولكن هذا إن دل على شيء فيدل على مسألتين اثنتين أولهما أن هناك فسحة من الحريات أتيحت أمام الناس ليطالبوا بحقوقهم ويعبروا عن إراداتهم وتطلعاتهم وهذا شيء ايجابي في حد ذاته، والشيء الثاني الذي يعنيه الأمر هو أن هنالك فعلا مطالب وهناك فعلا تظلمات وهناك فعلا أشياء يرغب الناس في الحصول عليها وبدأ فعلا بالمطالبة بها مثل الطلبة والعاطلين عن العمل وغيره.
هناك عنصر يجب في رأيي التوقف عنده لأنه ذو أهمية كبيرة وهو عملية إحراق الكتب التي وقعت مؤخرا، وهذه العملية في الحقيقة في رأيي تجسد نظرتين مختلفتين لظاهرة الرق في البلاد، لم يسبق أن تم التصادم بينهما ولم يسبق لهما أن عبرتا عن نفسيهما بالشكل الذي تفعله الآن. أحد هاتين النظريتين نقلية وحرفية وامتثالية تأخذ بظاهر النصوص حول هذا الموضوع بالذات، أما النظرة الثانية فهي نظرة تأويلية حداثية تراعى منطق العصر ومقتضيات العصرنة بما في ذلك الحقوق الأساسية للإنسان، والرفض المطلق تحت أي نبرر للعبودية والتمايز والتفريط في حقوق الإنسان، وكذلك في الندية والمساواة.
وقد بدأت تظهر على مختلف المواقع مقالات هنا وهناك تطرح هذه الإشكالية من المنظورين اللذين تحدثت عنهما، والمتوقع في رأيي أن يتعمق النقاش ويتجذر حول هذا الموضوع، وهذا يضيف بعدا جديدا إلى نقاش المجتمع المحتدم في بلادنا الآن وحول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدور في البلاد.
ولكن على العموم كل هذه مظاهر في تصوري مظاهر صحية لمجتمع نابض بالحياة ولبلاد سائرة نحو الأفضل رغم التجاذبات والتقاطبات والاختلافات في الرؤى وتباين المشاريع المجتمعية التي يدعو إليها الفرقاء من هيئات وأحزاب وكما تعلمون كل حزب بما لديهم فرحون.
 |
تاريخ الإضافة: 12-05-2012 12:23:19 |
القراءة رقم : 863 |