برلمانيات/ جدلية دستورية تأجيل الانتخابات بين الحكومة والأغلبية والمعارضة
شكل موضوع سؤال شفهي حول الأسس الدستورية لتأجيل الانتخابات، طرحته النائب كادجتا مالك جلو علي وزير الداخلية محمد ولد ابيليل يوم أمس في جلسة علنية للنواب، تباينا كبيرا بين وجهات نظر الحكومة ونواب الأغلبية والمعارضة حول شرعية قرار التأجيل، حيث رأته المعارضة غير دستوري وهو ما تنفيه الحكومة والأغلبية.
"وكالة نواكشوط للأنباء" في إطار برلمانيات اختارت أن تنشر نص السؤال الشفهي ورد وزير الداخلية عليه ومداخلتين إحداهما للمعارضة والثانية للأغلبية.
أولا/ نص السؤال الشفهي لنائب كادجتا مالك جلو (من فريق اتحاد قوي التقدم):
السيد الوزير، "كان من المنتظر تجديد غرفتي البرلمان والمجالس البلدية قبل نهاية سنة 2011، وقد أعلنت حكومتكم تأجيل ثلث البرلمان لمرتين كما أعلنت تأجيل الانتخابات البلدية والنيابة التي كان ينبغي تنظيمها قبل نوفمبر 2011، مما أدخل البلاد في أزمة مؤسسية حادة.
هل بإمكانكم أن توضحوا لنا الأسس القانونية التي اعتمدتم عليها في قراركم تأجيل تجديد تلك المؤسسات؟ وما الذي تنوون فعله لإخراج البلاد من الأزمة المؤسسية التي أدخلتموها فيها؟
السيد الوزير، لقد نشرتم بصفتكم وزيرا للداخلية واللامركزية، عبر الصحافة بيانا يوم 25 أغشت 2011، أعلنتم من خلاله تأجيل انتخابات الشيوخ والنواب والبلديات التي كانت مقررة يومي 25 سبتمبر و 16 أكتوبر 2011، وأن مجلس الوزراء سيصدر مرسوما بذلك وأصدر مجلس الوزراء مرسومه يوم 15 سبتمبر 2011 بذلك.
وقامت الحكومة باستشارة المجلس الدستوري، الذي يبدو أنه أفتى بأن تأجيل الانتخابات يدخل ضمن السلطة التقديرية للحكومة، ومن أجل تفادي فراغ قانوني، قرر المجلس الدستوري تمديد انتداب الجمعية الوطنية لغاية مايو 2012، ولم يعط رأيا حول الشيوخ الذين انتهى انتدابهم منذ مارس 2011 ولا حول المجالس البلدية التي تنتهي نوفمبر 2011.
ومنذ تلك اللحظة، بدأ الرأي العام الوطني (على وجه الخصوص القانونيون، الصحافة، وبعض القادة السياسيين)، التساؤل حول شرعية قرار تأجيل الانتخابات:
- كيف نفهم أن يقوم وزير الداخلية بواسطة بيان صحفي، بتأجيل استحقاقات انتخابية تحدد قوانين بما فيها الدستور تاريخها، وأن يقوم مجلس الوزراء بعد 3 أسابيع بالتصديق علي ذلك البيان بمرسوم؟
- أية سلطة تقديرية يمكن للإدارة امتلاكها لتسمح لها بخرق الدستور؟
- أثناء اتخاذكم لذلك المرسوم، لماذا لم تأخذوا رأي المحكمة العليا طبقا للمادة 12 من الأمر القانوني رقم 012/2007 الصادر بتاريخ 8 فبراير 2007 والمتعلق بالتنظيم القضائي؟
إن نصوصنا القانونية في هذا المجال واضحة لدرجة أننا لسنا بحاجة لنكون قانونيين لمعرفة أن قرار تأجيل الانتخابات غير شرعي. وسنكتفي هنا بمثال الجمعية الوطنية.
ينص الدستور في مادته ال47 على أن "نواب الجمعية الوطنية ينتخبون لخمس سنوات بالاقتراع المباشر"، وحين يحدد الدستور فترة انتداب النواب، فإن هذه الفترة لا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها إلا بواسطة قانون دستوري.
وفي مادته الأولى يستعيد الأمر القانوني رقم 91/028 الصادر بتاريخ 7 أكتوبر 1991 المتعلق بالقانون النظامي حول انتخاب نواب الجمعية الوطنية والمعدل، أحكام الدستور قائلا "تتشكل الجمعية الوطنية من نواب منتخبين لفترة 5 سنوات بالاقتراع العام المباشر"، ويحد في مادته الثانية أن "سلطات الجمعية الوطنية تنقضي عند افتتاح الدورة العادية لشهر نوفمبر من السنة الخامسة التي تلي انتخابها، باستثناء حالة الحل وعندها تجرى الانتخابات العامة خلال الستين يوما التي تسبق انقضاء سلطات الجمعية الوطنية".
وهو ما يعني أن انتداب هذه الجمعية انتهى يوم 14 نوفمبر 2011 (التاريخ الذي كان على جمعية جديدة أن تأخذ السلطة فيه)، وأن الانتخابات النيابة كان من الواجب تنظيمها في الفترة ما بين 15 سبتمبر و 13 نوفمبر. وليست هناك أية إمكانية لتأجيل تلك الانتخابات أكثر من ذالك إلا في حالة حل الجمعية الوطنية قبل انتهاء مأموريتها.
أعرف أنكم ستقولون لي –وهذا ما سمعته عند آخرين- أن قرارات المجلس الدستوري لها قوة الشيء المقضي به ولا يمكن استئنافها! لكن ذلك صحيح فقط في حالة ما يعلنه حول مدى دستورية القوانين، وفي كل الأحوال فإن المجلس الدستوري يبقى مؤسسة محكومة بالدستور ولا يوجد في القانون النظامي الذي يحكمه ما يشير إلى أن من بين اختصاصاته التمديد لانتداب انتخابي خصوصا وأنه منصوص عليه في الدستور.
ولعل ذلك الأمر كان واضحا في أذهان الجميع: ألم يصرح الرئيس محمد ولد عبد العزيز لقناة "فرانص 24"، أنه مجبر على تنظيم الانتخابات في وقتها (أكتوبر 2011) حتى لا يحصل فراغ قانوني؟ ألم يقل النائب الأول لرئيس الجمعية الوطنية خلال افتتاحه لدورة مايو 2011، بأننا نعقد الدورة الأخيرة من فترة انتدابنا؟
إن حكومتكم باتخاذها لهذا القرار قد تحملت كامل المسؤولية عن الزج بنا في وضعية يجد فيها النواب والعمد أنفسهم وقد انتهت مأمورياتهم مما عطل أهم مؤسسات الدولة الموريتانية (المجالس البلدية، غرفتي البرلمان، محكمة العدل السامية التي كان تشكيلها أحد مبررات انقلاب 2008). وهو ما يعني أن البلاد تعيش وضعية استثنائية غير مسبوقة، وعلى حكومتكم أن تستخلص منها النتيجة المباشرة المتمثلة في أنه عليها أن تتوقف عن الوجود لأنه لم يعد هناك برلمان شرعي لتحظى بثقته.
الأسباب الحقيقية لتأجيل الانتخابات
لقد بررتم تأجيل الانتخابات بالرغبة في تهيئة ظروف أفضل لتنظيمها وإدخال بعض الإصلاحات السياسية المتشاور حولها خلال الحوار المنتظر بين الفاعلين السياسيين، غير أن ذلك كان مجرد ذريعة، لأن الحقيقة هي أن إدارتكم –وعلى أعلى مستوياتها- قد عمدت منذ سنة 2008 إلى تدمير ممنهج للحالة المدنية لأسباب لم تعرف بعد بالكامل.
ولأن تلك المسألة ظلت تؤرقني، فقد دفعتني إلى مساءلتكم ثلاث مرات أمام هذه الجمعية، وبالرغم من تطميناتكم في الماضي، أشعر اليوم –وبكل أسف- أنني كنت مصيبة. وسأكتفي هذه المرة بموضوع التوقيف الذي حصل لمؤسسة بطاقة التعريف الوطنية التي تشكل العنصر الرئيسي في الانتخابات. فنحن نعرف جميعا أن بطاقة التعريف التي بدأ صدورها سنة 2000، جاءت ثمرة مشروع مدته سنتان تحول فيما بعد إلى إدارة تابعة للإدارة العامة للأمن الوطني.
وكان المشروع يمتلك ادوات قديمة حصل عليها من شركة "ساجم"، من المقرر استبدالها بلوازم جديدة. وتم توقيع عقد جديد مع "ساجم" ستقوم بموجبه بإصدار بطاقات تعريف وجوازات سفر ورخص سياقة، مع رقم وطني موحد لكل مواطن.
بعد ذلك برزت إرادة لتشويه مشروع الحالة المدنية وتم إلغاء العقد السابق مع شركة "ساجم" والاعلان عن مناقصة رست على شركتين: إحداهما "ساجم" التي قدمت عرضا ب 12 مليون دولار والثانية شركة إيطالية ماليزية طلبت 18 مليون دولار، والغريب أن الأخيرة هي التي فازت بالمناقصة. ولأنها لا تملك الخبرة، فقد تنازلت عن الصفقة لصالح "ساجم" مقابل حصولها منها على 6 ملايين دولار من دون أن تبذل أي جهد!
وفي سبتمبر 2009، اتخذ قرار إغلاق المشروع وتم سحب لوازمه من مختلف المفوضيات وحتى من دون توزيع بطاقات التعريف الجاهزة حينها على أصحابها حسب ما حصلت عليه من معلومات. حصل ذلك وكأن هناك قرارا تم اتخاذه بأن الحياة في موريتانيا ينبغي أن تتوقف بعد رئاسيات 2009 أو على الأقل أن تسير ببطء شديد: توقف إصدار بطاقات تعريف جديدة وانتهت صلاحية البطاقات الصادرة سنة 2000 ولم يعد بالإمكان تجديدها. لكن الأرض استمرت في الدوران وأزفت ساعة الاستحقاقات الدستورية لتقوم حكومتكم بإصدار مرسوم غبي بالتمديد للبطاقات منتهية الصلاحية.
ويبدو أن هناك اليوم حوالي 600 ألف مواطن من دون بطاقات تعريف! هل تقدرون ما يمثله ذلك من تحديات في مجال الأمن وبالنسبة للمسافرين وطالبي الخدمات التي تفرض وجود بطاقة التعريف، وأيضا في مجال الانتخابات؟
ومن الجلي أن حملة التقييد التي تصرون على القيام بها رغم فشلها الواضح، لا يمكن أن تسعف في إبراز البديل كما لا يمكن للتصرفات غير الواعية التي تقومون بها هنا وهناك، أن تغير من الأمر شيئا. حتى أنكم فشلتم فيما يبدو في استخراج نموذج من البطاقات الجديدة، حيث لم تستطيعوا إصدار بطاقة رئيس الجمهورية يوم 28 نوفمبر كما كان مقررا!
وهكذا أصبحت بلادنا اليوم من دون حالة مدنية، وهي وضعية لم تعرفها دول كثيرة عاشت حروبا أهلية، ويوما ما سيحاسب المسؤولون عنها.
هذه –سيدي الوزير- هي الظروف التي وضعتم البلاد فيها، والتي تجعلكم عاجزين عن تنظيم الانتخابات، بالإضافة إلى المشكلات الإدارية والفنية والمالية. أما مسالة طلب بعض الأحزاب تأجيل الانتخابات، فلم يكن أكثر من مناورة من طرفكم للتغطية على فشلكم، وهي مناورة لم تكن لتنطلي على أغلبية أحزاب منسقية المعارضة الذين رفضوا الوقوع في الفخ حتى لا يتقاسموا معكم مسؤولية سوف تكون عواقبها وخيمة.
ولقد ولدت تصرفاتكم هذه الانطباع، بان البلاد سقطت في أيدي مضاربين غير أكفاء، قادوها لهذه الوضعية الاستثنائية التي أعتقد أنها تناسب تماما الرئيس ولد عبد العزيز الذي لا يرضى بأقل من وضعية يكون فيها القائد الميداني الوحيد مع حرسه من "بازب".
وفي الختام أتوجه إليكم من جديد –سيدي الوزير- بتساؤلي حول ما الذي تنوون فعله لإخراجنا من هذه الأزمة الدستورية الخطيرة؟".
ثانيا/ رد وزير الداخلية محمد ولد ابيليل:
النائب المحترمة، مرة أخري اشكرك علي توجه لي هذا لسؤال المتعلق بالأسس القانونية التي اعتمدت في اتخاذ قرار تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية 2011 وهو ما يدل علي العناية التي يوليها البرلمان لقضايا المواطنين.
إن هذا التأجيل جاء تلبية لرغبة أبدتها بعض الأحزاب السياسية، بررتها بأمور موضوعية هي:
ـ عدم جاهزية الأحزاب السياسية لخوض هذه الانتخابات،
ـ إمكانية إجراء حوار وطني،
ـ ضرورة اتخاذ بعض الإصلاحات السياسة والدستورية التي من شانها المساهمة في تعزيز الديمقراطية ودولة القانون في بلادنا والتنمية لشعبنا.
وهذا ما تم التأكيد عليه من خلال نتائج الحوار السياسي بين الأغلبية والمعارضة.
وعلي اثر هذا الطلب وحرصا علي الاستجابة لرغبة الطبقة السياسية، طلبت الحكومة استشارة من المجلس الدستوري ليعطيها رأيا قانونيا حول هذا الموضوع وخاصة حول إمكانية مواصلة الجمعية الوطنية لمهامها بصورة قانونية بعد انتهاء فترة مأمورية نوابها المحددة في المادة 47 من الدستور والمادة الثانية من الأمر القانوني 028.91 بتاريخ 07 اكتوبر 1991 المعدل للقانون العضوي المتعلق بانتخاب النواب.
وقد جاء في رأي المجلس الدستوري رقم 002/2011 علي هذه الاستشارة:
ـ إن تنظيم الانتخابات من صلاحيات السلطة التنفيذية وهي وحدها المخولة تحديد الظروف اللائمة لتنظيمها،
ـ ان الجمعية الوطنية بإمكانها مواصلة مهامها إلي غاية تنظيم الانتخابات القادمة.
وانطلاقا من هذا الري فلا مكان لما تصفينه ب"وجود أزمة دستورية حقيقية" وحسب علمي فان المؤسسة البرلمانية، تعمل علي أحسن ما يرام سواء علي مستوي غرفتكم الموقرة او علي مستوي غرفة مجلس الشيوخ.
وفيما يخص البلديات، فان المحكمة العليا تري في حكمها رقم 054 بتاريخ 20 أكتوبر 2011، أن المجالس البلدية باستطاعتها مواصلة أعمالها الي غاية انتخابات تجديدها القادمة.
وقد أسست السلطة القضائية العليا قرارها هذا علي حتمية ضمان الإدارة لمواصلة الخدمات العمومية.
هذه هي العناصر التي أردت أن أجيب بها علي سؤالكم، رجائي أن تكون قد نالت رضاكم مرة أخري أكرر شكري لكم علي اهتمامكم بقضايا المواطنين".
ثالثا/ مداخلة النائب اسلامه ولد عبد الله (فريق الحزب الحاكم) رئيس لجنة العدل والدفاع والداخلية في الجمعية الوطنية:
"اشكر الزميلة المحترمة النائب كادجتا مالك جللو علي طرحها لهذا السؤال لأهميته وصلته بموضوع سياسي حساس ومهم في موريتانيا ينبغي أن يسمع الموريتانيون التوضيحات التي تنيرهم حول حقائق ما يجري فيه،
اننا نعتبر موريتانيا اليوم من بلدان المنطقة السائرة في طريق إرساء دولة القانون والمؤسسات ونعتبر ان نجاح المسيرة السياسية في البلد وضمان مسايرتها للمتغيرات التي يشهدها عالمنا اليوم عموما، يجب ان تؤسس علي ان يكون الرأي فيها للمواطن سواء كان في الأغلبية أو المعارضة ولذلك كانت نخبتنا السياسية ـ في المعسكرين ـ في الفترة الماضية وفي الأشهر القريبة، تقف علي مراء ومسمع من الجميع تنادي في النشاطات الحزبية وفي قبة البرلمان وفي وسائل الإعلام المختلفة بان مشاكل هذا البلد لا يمكن حلها إلا بالحوار وزملاؤنا المحترمين في المعارضة كانوا يؤكدون ذلك هنا ويطالبون به ونحن نشاطر أهم ن الحوار هو الحل المثالي لمشاكل البلد ودعوة النخبة للحوار هذه آمن بها كل مواطن نزيه وحريص علي مصلحة بلده.
واذكر هنا بان رئيس الجمهورية في خطابه بمناسبة الاستقلال 2010 وقف وطالب بالحوار مع المعارضة من اجل طرح موريتانيا علي الأسس السليمة للسير بها نحو الأفضل ولا يوجد عاقل إلا ويعي أنه يدرك بالحيلة ما لا يدرك بالقوة والحوار معناه عندما يحدث أن المنظومة المؤسسية القانونية للبلد يجب ا ن تراجع لينجم عن ذلك هيئات دستورية منتخبة سواء كانت بلديات او برلمان او مؤسسة رئاسية هذا ما كانت طبقتنا السياسية، أغلبية ومعارضة، تصدع به في جميع المنابر كمطلب أساسي لإصلاح قضايا البلاد وتسييرها بطرق توافقية.
وعندما كان النظام الحاكم وأغلبيته يمدون أياديهم للحوار لحل مشاكل البلد والدعوة الي كلمة سواء بيننا وبينكم لنقعد علي طاولة الحوار نبحث كل كبيرة وصغيرة لاخراج موريتانيا من هذا التصور الذي تتصورون انها فيه رفضتم وهذا ما تفاجئنا به وظهر جليا للمواطنين ان ما كانوا يتوقون اليه بدي كسراب من طرف المعارضة.
وهذا يجرني للحديث عن لماذا نحن في هذه الوضعية القانونية الحالية؟ وأسجل لزميلتي المحترمة التي اعتبر عقلها راجحا، أنها إذا كانت تري حقا أنا في وضع غير شرعي منذ 14 نوفمبر ما كان عليها أن تتكلم كنائبة هنا اليوم، كي يكون هناك انسجام بين الفعل والقول فيما طرحت.
السيد الرئيس، إذا كنا سنناقش موضوع تأجيل الانتخابات التشريعية والبلدية علينا ان ننطلق في ذلك من بعدين احدهما سياسي والثاني قانوني فالبعد السياسي فيه أن المعارضة طالبت رسميا من النظام القائم تأجيل الانتخابات من خلال وسائل الإعلام وفي تصريحاتها وفي البرلمان وطلبتها كتابيا بصورة رسمية بمناسبة تجديد ثلث مجلس الشيوخ في رسالتين وجههما الرئيس الدوري لمنسقية المعارضة النقيب محفوظ ولد بتاح الي وزير الداخلية ورد فيهما ما نصه "نطالب بالتأجيل حتي يتم الاتفاق علي الشروط الكفيلة بإجراء هذه الانتخابات ونتمكن جميعا، حكومة ومعارضة، من ضمان شفافيتها".
اين نحن اليوم من هذا؟ الم تكن المعارضة التي تقول إننا اليوم في وضعية غير دستورية هي نفسها التي كانت تطالب بالتأجيل من اجل ان يكون الاتفاق بينها والحكومة؟ أولم تكن المادة المنصوص عليها في الدستور التي تقول إن المأمورية خمس سنوات هي نفس المادة؟ ما ذا طرأ؟ علي الشعب الموريتاني أن يدرك أن وراء الأكمة ما وراءها، كما يجب أن يكون هناك مستوى من الانسجام بين ما يقال في أوقات مع الواقع.
نحن معكم في ضرورة احترام النصوص القانونية وأنها مقدسة ومحترمة والدستور فوق كل الشبهات إلا أن هذه السياسة والسياسة تتطلب قدرا من المرونة التي انتم في المعارضة أول من طالب بها وانتم أول من طالب بتأجيل الانتخابات، هذا هو البعد السياسي وأضيف عليه أننا لسنا بدعا من الدول التي اذا نظرنا لتلك المحيطة بنا ودول اعرق الديمقراطيات نجد ان كلما اعترضت أحداها ظروفا تستدعي تأجل الانتخابات كي تنظمها في ظروف مرضية تفعل ذلك وفرنسا التي هي اقرب لنا أجلت الانتخابات النيابية لمدة أسابيع قبل اقل من ثلاث سنوات والتأجيل عندما يحدث لا يعد بمدة فترته لانه تأجيل لحاجة وهنا نحن لا ندافع عنه إلا ان هذه الوضعية الحالية اذا كانت غير سليمة من اوقع فيها موريتانيا ليس الأغلبية وليست هي من طالب بها.
البعد القانوني للتأجيل، نحن تسيرنا مؤسسات وينبغي ان نحترمها لان مصداقيتنا تستمد من مدي احترامنا لقواعد اللعبة التي اتفقنا عليها وهي أن هذه المؤسسات هي من نحتكم إليه وفي هذا المجال اذكر بان تأجيل الانتخابات البرلمانية تم اولا بناء علي البعد السياسي الذي تحدثت عنه وبناء علي حرص الحكومة والأغلبية علي تلبية رغبة المعارضة ولتفادي خلق فراغ دستوري قدمت الحكومة استشارة بشان التأجيل للمجلس الدستوري الذي هو هيئة دستورية ملزمون جميعا باحترام قرارته حيث كان جوابه الذي اعتمدته الحكومة كسند قانوني للتأجيل ما نص منطوقه "للجمعية الوطنية ان تمارس صلاحياتها إلي غاية افتتاح دورة مايو 2012 وهكذا تمت مداولته من طرف المجلس الدستوري في دلسته بتاريخ 05 / 09/ 2011".
أما المجالس البلدية عندما انتهت مأموريتها، طلبت وزارة الداخلية من المحكمة العليا فتوي بشانها وكان فتواها: "وبعد المداولة اصدرت الجمعية العامة للمحكمة العليا الراي الاستشاري الآتي منطوقه، ان للمجالس البلدية الحالية ان تمارس صلاحياتها الي غاية التجديد المزمع وفق القوانين والنظم المعمول بها".
انتم تطالبوننا بالاحتكام الي القانون وتقولون ان قرارات المجلس الدستوري والمحكمة العليا ورئاسة الجمهورية، فاسدة وان قبول الاستجابة لمطالبكم في نقاش ما تريدون فاسد، ما هو صالح في هذا البلد في نظركم؟ عليكم أن تدركوا أن الشعب يطالبنا بان يكون ما نقول متماسكا وان نبرهن له أننا حريصين بالفعل علي مصالحه ونحن في الأغلبية إذا كان ما تطرحون اليوم صائبا كنا دافعنا عنه الي جانبكم أو علي الأقل نسكت.
إن الشعب الموريتاني يستمع لتصاريح جميع زعماء المعارضة وتصريحات النواب في البرلمان بالمطالبة بتأجيل الانتخابات والله شاهد علي قولكم لها وانتم عليه من الشاهدين وليكن في علمكم ان الشعب إذا كانت ذاكرته ضعيفة عن أحداث العقود الماضية ليست بقدر ان تنسي تصريحات قبل أسابيع".
رابعا: مداخلة النائب محمد المصطفي ولد بدر الدين (رئيس فريق اتحاد قوي التقدم):
"أبدأ بأن الوزير لم يرد علي الأسئلة التي طرحت عليه واكتفي بجانب واحد منها هو الجانب القانوني ولم يجب علي الجانب المتعلق بعدم دستورية تأجيل الانتخابات ولا علي فساد الحالة المدنية خاصة بطاقة التعريف بحيث لم يعد بالإمكان إجراء انتخابات مطلقا، دستورية كانت ام غير دستورية لأن بطاقة التعريف شرط فيها اصبح مفقودا ولن يتوفر في الوقت القريب والوزير لم يتكلم عنها في جوابه.
وبخصوص الناحية الدستورية فأنبهه إلي أن الدستور واضح لا يحتاج لقراءة القانون حيث تنص المادة 47 علي "ينتخب نواب الجمعية الوطنية لمدة خمس سنوات بالاقتراع المباشر" معنا هذا انه ما زاد علي خمس سنوات أصحابه فقدوا صفة النواب وهذا واضح وفيما يخص صلاحيات المجلس الدستوري فهي بنص المادة 49 التي تنص علي "ان المجلس الدستوري يبت في حالة نزاع حول صحة انتخاب أعضاء البرلمان أو قابلية انتخاب هؤلاء" معنا ذلك ان صلاحيات المجلس الدستوري في هذا المجال تنحصر في المسالتين.
وعلي هذا الأساس فالحكومة سالت المجلس الدستوري عما لا يعنيه وهو تأجيل الانتخابات من عدمه وهو بمثابة من سال عنها خباز الخبز، هذا فيما يخص التأجيل، أما ما يخص بطاقة التعريف والحالة المدنية ـ وهما بيت القصيد ـ، فنحن هنا في سنة 2009 قدم لنا الوزير قانونا يعدل قانون الحالة المدنية خصوصا في جوانبه الجنائية وتضمن التعديل مادة تقول انه سيتم إحصاء جديد ستسفر عنه حالة مدنية جديدة وسالته شخصيا عن مآخذهم علي الحالة المدنية الموجودة، فأجابني بأنها مزورة وبطاقات التعريف مزورة كذلك، فقلت له هذا الاعتراف يؤكد اعتراض بعض المعارضة علي نزاهة الانتخابات بحجة ان لوائحها الانتخابية معدة علي أساس بيانات الحالة المدنية المزورة فاشتاط غضبا علي وقال ان الحالة المدنية ستعد في ظرف 18 شهرا قبل الانتخابات القادمة وعلي أساسها ستتم لائحة انتخابية تنظم بها الانتخابات القادمة في وقتها.
وانتظرنا وانتهت هذه المدة ولم تحصل حالة مدنية ولم تنظم الانتخابات وانتهت صلاحية بطاقات التعريف وعاد إلينا وزير الداخلية للرد علي سؤال شفهي حول الموضوع فقلت له انتم اليوم ينطبق عليكم ما ينطبق علي البقرة الفائتة، "إذا شربت ستموت وإذا لم تشرب ستموت" فانتم اليوم بلا حالة مدنية والانتخابات حان وقتها فإذا نظمتموها فسيكون ذلك في غياب حالة مدنية وإذا لم تنظموها ستخلقون أزمة دستورية، نظرا لانتهاء فترة مأمورية الهيئات التشريعية والبلدية.
فأجابني بقوله، هذه الانتخابات سننظمها في وقتها بتمديد فترة بطاقة التعريف بمرسوم وقد اتخذ هذا المرسوم، إلا أن عمر هذه البطاقات علميا غير قابل للتمديد وبعد عشر سنوات لم يعد بالإمكان استخدامها في اي شيء لتغيير ملامح صورة صاحبها وتلف البطاقة نفسها، بنص شهادة الشركة التي صنعتها.
فمشكلة موريتانيا اليوم لم تعد في عدم دستورية تأجيل الانتخابات فهي كامنة في كوننا بلد بلا حالة مدنية ولا يمكنه إجراء انتخابات فجميع بطاقات التعريف الموجود انتهت أعمارها القانونية والمادية ولدينا 600 ألف مواطن في سن الانتخاب لا يتوفرون علي أية وثائق مدنية صالحة أو فاسدة والحالة المدنية التي هي قيد الانجاز لن تنتهي قبل عشر سنوات علي الأقل إذا كان يراد لها أن تنتهي والسؤال المطروح، هو نحن كيف لنا ان ننظم انتخابات في هذه الوضعية؟ دستورية ام غير دستورية، فهي لا بد لها من حالة مدنية صالحة، فهذا هو السؤال؟.
وانطلاقا من هذه الوضعية سوف أساهم أنا بدوري في شرح الحوار وأقول إن سببه هذه المشكلة فالحكومة وقفت عاجزة عن تنظيم الانتخابات نظرا لفساد الحالة المدنية وبحثت عن مخرج لتغطية هذا العجز ونادت للمعارضة للحوار من اجل تأجيل الانتخابات وكما قالت النائب مريم بنت بلال نحن طلبنا تأجيل مجلس الشيوخ ولا ينطبق عليه هذا لان الدستور نصه واضح في قضية النواب دون الشيوخ وقلنا في المعارضة إننا لا نريد تأجيل انتخابات النواب والبلديات بل نطالب بتهيئة ظروف تنظيمها وحياد الادرة منها ورفضت الحكومة طلبات المعارضة وبالتالي الحوار لا محل له.
قال النوائب الموقر إسلامه انه يؤخذ بالحيلة ما لا يؤخذ بالقوة، نحن تعودنا علي ان السلطة في بلادنا تؤخذ بالقوة لم نراها ابدا تؤخذ بالحيلة وكان يجب أن يقول هذا احد غيره لان أصحابه لم يأخذوا السلطة إلا بالقوة، اللهم إذا كان يعني بالحيلة، الخداع وبالتالي ما حدث لا يسمي حوارا لان معني الحوار تغيير النظام السياسي وهذا لم نراه في هذا الحوار فطرف المعارضة فيه طلب التخلي عن الحرس الرئاسي وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لصالح زيادة صلاحيات البرلمان والوزير الأول وبإنشاء لجنة انتخابية مستقلة ورفض لهم ذلك وبعد تهديدهم بالانسحاب قبلت لهم لجنة انتخابية مهمتها اعلان نتائج انتخابات بعد إشراف عليها إدارة استحدثت لذلك في وزارة الداخلية.
وباقتصار ما حدث ليس حوارا وإنما هو تحويل انتباه الناس عن مشكلة الحالة المدنية وعجز الحكومة عن الانتخابات وعن المجاعة والجفاف وارتفاع الاسعار وتحطيم مساكن المواطنين وتوزيع خيرات البلاد علي سماسرة النظام".
 |
تاريخ الإضافة: 17-12-2011 02:41:01 |
القراءة رقم : 1361 |