"احمدو ولد عبد الله : "الحاكم الذي يرفض التعامل مع رغبة شعبه يحكم علي نفسه بالفشل "
قال احمدو ولد عبد الله، الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في تسيير نزاعات عديدة، ان النزاعات شكلت منذ انتهاء الحرب الباردة المعوق الحقيقي في وجه السلم العالمي وتنمية دول عديدة في القارات الإفريقية والأسيوية وأمريكا ألاتينية، وأصبحت المصدر الأساس للجريمة المنظمة.
مؤكدا علي ان هذا يستوجب من جميع الصحاب النوايا الحسنة والعاشقين للعدالة ولاحترام الإنسان وحقوقه، العمل يدا في يد من اجل الوقاية من هذه النزاعات والبحث لها عن حلول ناجعة لوأدها في مهدها.
جاء حديث ولد عبد الله أثناء محاضرة بعنوان "النزاعات: الوقاية والحلول" ألقاها ليلة البارحة بمدرج كلية العلوم حضرها جمع كبير من الدبلوماسيين الموريتانيين المتقاعدين وأصحاب الرأي والفكر من مختلف الطيف الموريتاني والذين اثروا المحاضرة بتساؤلاتهم، مجمعين علي أهميتها وطالبوا المحاضر بمساعدة موريتانيا علي تجاوز مشاكلها من خلال تجربته الواسعة في حل النزاعات والوقاية منها.
وقد مهد احمدو ولد عبد الله لمحاضرته، بان توق الشعوب الي العدالة وللديمقراطية والحريات للأفراد والجماعات والجهات في فضاءات الدول، هو جوهر أسباب النزاعات الداخلية والحروب الأهلية التي أشغلت الساحة الدولية منذ نهاية الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي، مشيرا إلي أن ظاهرة هذه الحروب لم تعد بينية وإنما أساسا أصبحت داخل الدول.
وقال ان انتهاء الحرب الباردة وانتشار وتنوع تكنلوجيا الاتصال، غير نمط علاقات المحكومين بالحكام ومهد الطريق امام الشعوب لرفض الظلم والعنف والحرمان ولدكتاتورية الأنظمة عليهم، مؤكدا ان جميع انماط الحكم التي كانت ممكنة في ظل الحرب الباردة لم تعد ممكنة اليوم بتاتا وأي حاكم لم يعي ذلك فقد حكم علي نفسه بالفشل وبثورة شعبه عليه.
وأوضح ولد عبد الله أن العنف الشديد الذي أصبح يطبع هذه النزاعات، قد فرض ضرورة العناية بها حيث صارت موضع مجهودات سياسية ودبلوماسية وبحوث ودراسات جامعية لايجاد حلول ناجعة لها من خلال العمل علي احتواء النزاعات ومساعدة كافة ضحايا ها من قتلي ومصابين ومهجرين ولاجئين وإعادة بناء اقتصاديات الدول المنكوبة، مستعرضا أسباب النزاعات وسبل تفاديها واحتفائها وحلولها في حال انفجارها وبين خطورة عودتها بسبب عدم فاعلية الحلول المتبعة.
وبين أن انفجار الأزمات ـ الذي قال انه لا يولد صدفة ـ، له أسباب عديدة تنضجه لينفجر عند وال شرارة، كما كان الحال في حادثة "بوعزيزي" أو بالعدوى، مثل ما حدث في مصر بعد تونس وأكد ان من أهم أسباب النضوج: فقدان العدالة لدي بعض الحاكمين وفسادهم وممارستهم للعنف ضد الشعوب وهي ممارسات ـ قال إنها ـ اصبحت مرفوضة لدي الشعوب وكذلك الاقصاء وتهميش المجموعات العرقية او الاجتماعية او الدينية او الجهوية وهي قضايا مجتمعة تشكل الجذور الاساسية للازمات، حسب ولد عبد الله، الذي قال ان سهولة الاتصالات الحديثة (الإذاعات، الشاشات، الاقمار الصناعية، الجوال، الانترنت، ... الخ) مكن من سهولة التواصل بين االشعوب وتعبئتهم حول سوء الحكامة.
ونبه الي ان لكل ازمة خصوصيتها، حسب تطورها ووضعها الجغرافي والسياسي وثقافة محيطها مع وجود الكثير من النقاط المشتركة بين هذه النزاعات، تمكن من طرح مقاربة عامة لدراستها وإيجاد الحلول الناجعة لها.
وعدد وسائل حل الأزمات حيث قال إن منها: ضرورة تناغم العمل الداخلي والخارجي اتجاه هذه الأزمات والعمل الجماعي من اجل السلام وحسن نوايا أصحاب كافة الفاعلين من اجله وتعدد جهودهم المشتركة، مبرزا في هذا المجال أهمية إستراتيجية الوسيط، التي قال إن تجربته الشخصية أثبتت أن عليها ان تتمحور حول: أهمية دور اللاعب الأساسي أو الوسط الرسمي وتشخيص الأسباب الحقيقية والأساسية للازمة والتحلي بالإرادة السياسية وتوفر الوسائل الاقتصادية واللوجستية.
وأضاف ولد عبد الله أن علي الوسيط، كذلك أن يتبني في إستراتيجيته، برنامجا توافقيا علي أساس التشاور مع المعاونين والدول والمنظمات المعنية اساسا ومحاولة جلب الفرقاء في النزاع في هذا الإطار، كما عليه أن يتصرف كصديق وكمستشار مؤتمن للجميع وان يعمل علي زرع روح التسامح بين الفرقاء وقبول كلهم للآخر والعمل علي معرفة التاريخ الحديث للبلد والاسباب المحتملة للنزاع الداخلي والتذكير بوجوب العمل علي وقف الازمة وادخال التوازنات العادلة والعمل علي تنمية البلد.
وعليه الوسيط، بذل أقصي جهد من العمل والخبرة من اجل أن يكون في صميم حل المشاكل وإقناع الرأي العام بالاستماع والملاحظة واحترام الأطراف والدول وتسهيل الاتصال بين زعامات الأطراف فيما بينهم ومع معاونيهم وبينهم جميعا مع الوسيط وفريقه وعليه أن يحرص علي عدم إقصاء أي طرف وان يشرك الجميع في المجهودات، مع اخذ خصوصية كل طرف في الاعتبار والتعرف علي مسيرة كل فاعل وإخبار وإشراك الفاعلين الخارجيين (الذين من بينهم سفراء الدول وممثلي المنظمات الولية في بلد النزاع) لإفهامهم ايجابيا بطبيعة الصراع واهمية إسهامهم في حله بنجاح.
وقال المحاضر إن علي الوسيط، استعمال وتفعيل سياسة "العصا والجزرة" مع اطراف النزاع وحلفائهم بما يجعلهم يتوقعون المكافاءات والعقوبات علي سبيل الميثال، الحرمان من التاشيرات والاسفار وتجميد الحسابات والتعرض للعقوبات الجنائية الولية والوطنية وعليه أن يثبت بالأفعال والأقوال، نزاهته وحياده واحترام المبادئ والبحث بكافة الوسائل المشرفة التي تضمن له احترام وثقة الجميع وعليه ان يكون جديرا بذلك وان يعمل علي تخفيض التوتر وتشجيع الامل بوجود حل، مهما بلغت صعوبة العمل وانعدام الثقة بين الأطراف المتحاربة وتجذر العنف وطلب ـ لتحقيق ذلك ـ دعم الفاعلين الخارجيين والوطنيين وتنظيم ورشات لجلب الأطراف الي ساحة محايدة.
وركز احمدو ولد عبد الله علي اهمية دور ومكانة الاعلام، في تسميم الأجواء وتأجيج النعرات بين اطراف النزاع او في تقريبها من أجواء السلام ولذا شدد علي ضرورة استفادة الوسيط من دور الصحفيين الوطنيين والدوليين في منطقة النزاع من خلال تنويرهم بصفة منتظمة بالمعلومات وفي بعض الاحيان استباقا للاحداث.
واختتم المحاضر برؤيته حول شروط توطيد مكاسب السلم حول أي نزاع يتم التوصل الي حله للحيلولة دون عودته وقال إن من الشروط: تقوية وتعزيز المؤسسات الوطنية من اجل تشكيل قاعدة صلبة للعودة للسلم ومن اهم هذه المؤسسات: الجيش الشرطة العدالة والادارة والاحزاب السياسية والصحافة ... وتعزيز الإدارة المركزية والإقليمية، إضافة إلي المحافظة علي دعم المجموعة الدولية التي تضم دول الجوار والمنظما ت الاقليمية ، علي ان يشمل هذا الدعم تبادل التعاون والمعلومات والشراكة السياسية وتكوين جبهة موحدة لاعادة بناء البلد وعودة المهجرين واللاجئين والمحافظة عليها.
عرض/ ماموني ولد مختار
 |
تاريخ الإضافة: 15-04-2011 16:19:04 |
القراءة رقم : 826 |