يوميات مهرجان شنقيط للمدن القديمة : حينما تتغلب العراقة على فوضى التنظيم
شنقيط ـ سيدي محمد ولد بلعمش
قبل صلاة الجمعة هذه التي أظهر بعدها في الصورة صليت مغربين و عصرا بالمسجد العتيق و حرمت صلوات أخرى حيث كانت إقامتي بعيدة منه في نصف المدينة الآخر ما قبل البطحاء .
كنت سعيدا بالصلاة هناك ليس لأنه مسجد يؤجر زيادة عليه ـ معاذ الله ـ ، و ليس لأني شددت الرحال إليه ـ استغفر الله ـ فلا تشد الرحال إلا للمساجد الثلاث ، و لكنه كان يعطيني من الراحة و الرائحة ما أعيش به في قرون خلت في تجربة وجدانية فريدة حدثت لي، تقترب من قصص الصوفيين ،..و أنا أصعد المنارة من السلالم الداخلية أتحسس البنائين و هم يضعون الحجر فوق الحجر ، و هم يتعاطونه واحدا فوق واحد و قد نصبوا أخشاب النخيل و" تيشط" للوقوف عليها .كان أحد المؤذنين يقف فوق المنارة يشاهد غروب الشمس للصلاة في أول وقت المغرب ، فالنكتة هناك تقول إن أهل شنقيط قالوا لبعضهم أن يصلوا المغرب بسرعة لأنهم ( مسدبيين: ذاهبين وقت الأصيل )، تنكيت يتبادله ضيوف المدن القديمة هنا .
أتحسس محمد غلي و يحي العلوي و قد تقاسما السيادة و الإمامة و قد تعاونا على شأن المدينة و إيفاد قوافل الحج و التجارة أتحسس القاضي صاحب النوازل و المعروف لديهم بالشارح الطالب محمد ابن الأعمش المتوفي 1107 هـ و قد تحلق حوله طلابه و من بينهم ذلك الفتى اللامع الألمعي العلامة سيدي عبد الله ابن رازكة الذي سيكون له شأن آخر يتجاوز حدود المدينة الصغيرة أتحسس أحمد البشير وقد أودع العلم و الورع و آل حامني منَ و الشيخ ممن تولوا القضاء و الإمامة .
ضحى الجمعة الماضي زرنا الرياض مع زملاء صحفيين كان المشهد مهيبا و كانت آلاف القبور تتسطر في مساحة واسعة ، و كأن شنقيط تقول لك احسب الموتى و أعطني عمري و حرر عقد ازيادي، مئات العلماء و آلاف النزلاء و لا يمكن أن تفارقك هذه الأبيات التي تريد منك الهدوء و تساعدك في فهم ما تشاهد :
خـفف الوطء مـا أظن أديم الأرض إلا مـن هذه الأجـساد
سـر إن اسطعت في الهوا رويدا لا اختيالا على رفات العباد
رب لحد قد صار لحدا مرارا ضـاحك من تزاحـم الأضداد
لا شيء في هذه المدينة إلا و ينسيك بالآخر ،أما إذا كانت هذه المدينة تحتضن عروض لمدن زميلاتها في العراقة مثل وادان و تشيت و ولاتة فحدث و لا حرج .
مهرجان شنقيط للمدن القديمة يشهد حراكا ثقافيا رائدا رغم سوء التنظيم و رداءة الخدمات .أمس تدخل قافلة محملة بالملح و التمر تعبر عباب البطحاء قادمة من وادان في مشهد نراه الآن تمثيلا بينما كثيرا ما كان يحدث ، يشاهد الحاضرون خطى الجمال و هي تمشي الهوينا تترنح فوقها "عدائل " الملح " و شنات " التمر ، كانت الخطوات تجعلنا نأسف على كل جطوة خطوناها بإتجاه الحضارة المسرعة التي ربحنا معه جلسة في طائرة أو سيارة توصلنا في وقت قصير لكن لا نعرف ماذا نصنع بالوقت الباقي ، فيما حرمتنا من أناة البدواة و عراقة الأصالة ـ كما يقول توفيق الحكيم ـ.
و قبل أمس نشاهد سباق الإبل لتفوز قرية العين الصفرة تلك الموغلة في الصحراء و المتعودة على إتخاذ الجمل كوسيلة نقل رئيسية ، و في الخيام التي ضربت هنا ظامت فمن ينزع عين النص ، هنا إكرور فمن يعرف لعبة فوته ، هنا سلبط و عشرات الألعاب التي أحضرتها رابطة الألعاب التقليدية ، و في خيمة متحف اتويزكت الأثرى تجد من مدافع تقليدية نادرة، تعطيك وجه آخر من المشهد ، أما مدينة أزوكى تحكي قصة أصل دولة المرابطين ، وادان مدينة العلم و التمر مدينة بها شارع يطل عليه أربعين عالما ، تشيت و مؤسسها عبد المؤمن درة الصحراء و قصة من التحدي لعاديات الزمن توصلنا إلي ولاتة تلك أنجبت محمد يحي الولاتي.
و في جانب آخر أنعش مفكرون كبار محاضرات متميزة منهم محمد المختار ولد إباه و محمد المختار ولد إمباله و آخرون حضرها مئات الوجوه الثقافية و عشرات الصحفيين و أشباههم و آلاف الزائرين ، و في الليل تقام السهرات و هي الأكثر عتمة في المشهد المنير هذا .
 |
تاريخ الإضافة: 20-02-2011 14:17:44 |
القراءة رقم : 1046 |