برلمانيات/ النائبان السالك ولد سيدي محمود ومحمد الامين ولد الشيخ: يقيمان بالأرقام أداء النظام حسب رؤية المعارضة ورؤية الأغلبية
النائبان محمد الامين ولد الشيخ والسالك ولد سيدي محمود
|
تمتاز جلسات الجمعية الوطنية هذه الأيام بقوة نقد المعارضة للحكومة، في موازة استماتة الاغلبية في الدفاع عنها، وكانت جلسة مناقشة مشروع قانون تعديل ميزانية 2010 يوم الاثنين الماضي، من أكثر الجلسات حدة، حيث تجاوزت حدة جلسات مناقشة مشروع قانون مدونة الحالة المدنية.
وكالة نواكشوط للانباء تنشر نموذجين من هذا النقاش يعبران عن رأي المعارضة والموالاة:
النموذج الاول: مداخلة النائب السالك ولد سيدي محمود (نائب عن حزب "تواصل"، المعارض وعضو فريقه البرلماني)، التي حمل فيها على سياسات النظام بقوله:
"تعديل الميزانية، عمل استثنائي يجب أن لا يتحول إلى قاعدة، ففي بعض الدول خاصة فرنسا التي نقتبس من تشريعاتها، تحتم مرور التعديلات بالجنة المالية في البرلمان، وهذا أكثر سلامة ومنطقية لأن البرلمان يأمر بصرف ميزانية معينة، وفي حين تحدث سلفة حتما المبالغ المأمور بصرفها تتغير، وهو ما يعني التصرف في عمل البرلمان وهذا أمر لا يجوز ولو بشكل مؤقت، دون أن تكون لهيئة منه على الأقل رأي في ذلك، على أن يقدم للبرلمان لتشريعه في أسرع فرصة، حيث للأسف نلاحظ تحول هذا الاستثناء في بلدنا إلى قاعدة في السنوات الثلاثة الماضية التي عدلت جميع ميزانياتها، وقطعا ميزانية 2011 ستعدل، كما أن هذه التعديلات، في الوقت الذي نتبجح بالشفافية، تتم دائما في أواخر شهر ديسمبر من السنة وهو ما ينطبق عليه "الطبيب بعد الموت".
ان الشفافية المالية تقتضي ثلاثة أمور: أولا احترام القوانين المعمول بها في المجال المالي، ثانيا عدم القيام بأي إنفاق خارج الميزانية، ثالثا أن تكون الميزانية شفافة في أهدافها وفي مخططاتها، وهذه الأمور ناقصة لدينا كثيرا، إذ لم يتم التقيد قط بالقوانين، وشهدنا إنفاقات من الحجم الكبير لا أثر لها في الميزانية ولا في قانون التسوية، في الوقت الذي يوجد فيه متهمون في السجن تهمتهم أنهم لم يتقيدوا في الصرف بالإجراءات القانونية في مبالغ ضئيلة ـ إذا ما قورنت مع تلك ـ أما النوايا فربما يكون هؤلاء المساكين أنفقوها في أوجه تخدم الصالح العام.
وبخصوص المؤشرات الاقتصادية الواردة في قانون التعديل، المحددة لنسبة النمو بأنها كانت 5% تقريبا، فأقول إن النمو، إذا لم يتجسد في القطاعات الاقتصادية التي يخلق منها النمو ولم يكن تأثير على التشغيل ولا علي مكافحة الفقر، فإنه يبقي نموا رقميا فقط، ونحن للأسف كان نمونا هذه السنة من القطاعات الاستخراجية ويتضح لي أن التضخم المعلن أنه بلغ 6% وهذه نسبة كبيرة والواقع يدل على أن النسبة اكبر من ذلك بكثير، وأري أن الكلام عن أهمية التساقطات المطرية لدرجة أنها سببت نموا أمر غير دقيق، لأن النمو قد حدد قبل التأثيرات المطرية التي لم تظهر بعد، وقد شهدت قطاعات الزراعة والصيد، تراجعا ملحوظا.
وهنا سأتحدث عن النفقات والأعباء لأقول إن التقليص الذي طرأ على بند السلع والخدمات من 54.9 إلى 49.4، هذا الفرق إذا كان البعض يعده تقليصا أو ترشيدا فهو ليس كلك، بل عبارة عن مبالغ كانت تسجل في بند ونقلت منه إلى بند آخر، حيث كان الماء والنقل والعمال غير الدائمين يسجلون تحت بند السلع والخدمات ونقلوا منه إلي بند الرواتب، على أنها زيادة لهم وهي ليست كذلك وهذا ما سأشرح دلالاته، رفعا للبس، لأبين أن التساوي بين الموظفين كان ضئيلا جدا في علاوتي السكن والنقل، أما ما سوى ذلك فهو عبارة عن زيادة كتلة الرواتب وليست زيادة الراتب الفردي للموظف، بمعني أننا أخذنا مجموع محصول الغلاف المالي للرواتب وأضفنا له زيادة ناجمة عن علاوات المسؤولين المعينين في المناصب والذين لا يمثلون نسبة 1% من الموظفين، وبالتالي صارت هذه الزيادة خادعة لمن يسمعها ويظنها زيادة للرواتب حيث صاروا يشكلون 70% من العائدات.
وهذا أمر له سلبيات كبيرة جدا، منها تأثيره مستقبلا للحوار مع الشركاء حول زيادة الرواتب لتي كانت ملحقاتها غير الدائمة مخفية وموزعة على بنود مختلفة، لتبقي كتلة الرواتب الحقيقة وحدها تعكس واقعها الحقيقي، مما يسهل احتمال التفاوض على زيادتها، وبهذه العملية الخادعة أصبحت هذه المفاوضات صعبة وشاقة جدا.
أما زيادة النفقات المشتركة بمبلغ 8 مليارات أوقية، أرجع بعضها إلى عملية رمضان التي كانت من ضمن ميزانية السنة الماضية ـ وقد أجابني علي ذلك وزير المالية السابق بان المبلغ الذي كان موجودا سددوا به ديونا أخرى كانوا مطالبين بها ـ في الوقت الذي كان يجب من الناحية الفنية قضاءها على أساس متأخرات، كي لا تظهر لنا عملية رمضان مرتين في الميزانية الأصلية وفي المعدلة وهذا لا يجوز من الناحية المحاسبية.
وفي هذا الإطار يجب الانتباه إلى أنه من دواعي الميزانية، الواقعية والدراسة المتأنية لما سيقام به، لأن تقليص التسيير الذي قيل لنا إنه تم بنسبة معينة، فبدل أن يكون ذلك شاهد علي الشفافية، صار شاهدا علي الفساد، وهو ما سأشرحه، أولا، الرواتب في جميع المؤسسات بشكل عام ودون الدخول في تفاصيلها وضعيتها غير جيدة بسبب عدم حصول جميع هذه المؤسسات على الموارد بحجة تقليص ميزانيات التسيير بنسبة 50%، وأذكر بأن التسيير بنده الأساسي، السلع والخدمات وهذه القصة نسجت 2009 وبعد استعمالها في الدعاية، عدلت الميزانية في شهر إبريل من نفس السنة في غضون شهر واحد وبعده زيدت نفقات السلع والخدمات بمراسم السلف حسب التقرير الرسمي ـ لدي ـ بملغ 8.84 مليار أوقية والأعباء غير الموزعة بمبلغ 6,67 مليار وفي مكان آخر 20 مليار زيادة لتمكين الدولة من الوفاء بالتزامات خارجية، تم الإعلان عنها لقطع رواتب الناس، وفي واقع الأمر حدث تعديل في الميزانية أعاد الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه، والأدلة والتقارير الرسمية موجودة وتؤكد ذلك.
وقد أدت هذه الوضعية الحالية، إلى أن مؤسسات البلد والعمال ومنهم غير الدائمون، في وضعية مالية صعبة جدا والتبرير لذلك لم يعد مقنعا، لأن سلف التعديل عادت فيها مبالغ التسيير أكثر مما كانت، كما أن دلالات ارتفاع حجم العجز المسجل في السنة الماضية من 6 مليارات كما كان مقررا إلى 43 مليار، هي أن الدولة أخذت من رواتب الموظفين ومن الموردين الذين تتعامل معهم هذا المبلغ مع التزامها بتسديده لهم وذلك أثناء فترة التسيير الرشيد الأخيرة، وهذا المبلغ مستحقات للناس على الدولة، التي هي عبارة عن استمرارية وإذا لم تف بالتزاماتها، سيكون في نظري لذلك انعكاسات اقتصادية وخيمة مع أن الدولة مسؤولة عن جميع التزاماتها.
وهنا أريد الحديث عن صناديق السحب الخاصة، التي أطالب الحكومة بإعطائنا تفاصيل عنها، فهذه الصناديق يجب ان تكون معروفة وأهدافها محددة، فهي في القانون أولا، عبارة عن حساب تأخذ له موارد خاصة به تنفق في مجالات مخصصة، وهي من الناحية السياسية عبارة عن تسييس للميزانية لان المجالات التي تخدمها الصناديق، هي نفس المجالات التي تخدم الوزارات، والتي هي اليوم بدون موارد وبالتالي عاجزة عن تحقيق أهدافها، ولا معني لوجود صناديق أحيانا تكون مواردها 10 مليارت في حين أن القليل من الوزارات ميزانيتها بهذا الحجم.
ثانيا، تحدد المراسيم القيام بتقييم تسييرها وهذا امر لم يطبق حيث ظلت هذه الصناديق مقفلة امام أي تحقيق فيها وهذه وضعية أخري خطيرة، والأدهى من ذلك والأمر أن القانون العضوي ينص على أن هذه الحسابات، تفتح أساسا لموارد أجنبية خاصة عندما يطلب ممول أجنبي فتح حساب لتمويل عملية هو من يحددها، إلا أننا نحن حولناها الي قضايا وطنية وهذا غير مقبول، ومن الخطير كذلك وجود 5 مليارات اختتمت السنة المالية الماضية عليها دون ان تنفق واستجدت الحكومة البرلمان من أجل تشريعها وضيفت إليها 5 مليارات هذه السنة ووصل المبلغ 10 مليارات، وهناك طامة أخرى يجب التنبيه عليها وهي وجود نوع اخر يشبه الصناديق الخاصة ويعرف بالضمانات، ولدي في الجريدة الرسمية، وثائق منه بالمليارات ينص القانون على وجوب موافقة البرلمان.
وهذه الوثائق التي بيدي تؤكد ان إحدى هذه الضمانات كانت بتاريخ 23 فبراير 2009 لصالح شركة المعدات الزراعية (اسنات) ولم تمر بالبرلمان، كما ينطبق الأمر على حوالي 4 مليارت قدمت كضمانات للقرض الزراعي بموجب هذه رسالة من البنك المركزي إلى "باسم بانك" ونصت الجريدة الرسمية علي أن هذه الضمامات ستقدم للبرلمان في دورته القادمة لتشريعها وهو ما لم يحدث إلى اليوم، وهذا هو تجاوز القوانين المالية الذي أشرت له في بداية حديثي، واعتقد أن الحديث عن الشفافية لا معني له مع عدم احترام القانون وتجاوز المشرعين.
ولكي أكون دقيقا في حديثي عن زيادة الموارد، أقول إن سبب ما حصل منها هو زيادة ضرائب جميع السلع باستثناء السجائر، فقد ارتفعت الضرائب على الاتصالات ورسوم سيارات وغيرها، وبموجب ذلك يدفع كل مواطن لخزينة الدولة 20 أوقية من سعر كل لتر من المحروقات، ومن كل مكالمة هاتفية 5 اواق للدقيقة في المكالمات الداخلية و10 في المكلمات الخارجية، وهذا هو سبب زيادة الموارد التي شكلت نقمة على المواطن.
وهنا أتساءل عن أسباب الامتيازات الممنوحة لمدرين دون سواهم، وعن أسباب عدم تشريع هذه المراسيم وهذه وضعية في نظري مقلقة، أنا لست كمن يعتقد أن الوضع مريح وشفاف، بل أرى اننا من الناحية التسييرية نحتاج إلى احترام القوانين والنظم، ولا أتكلم عن النوايا بل مدى سلامة الإجراءات واحترام القوانين، وأؤكد عدم الفائدة من تقليص الاستثمار بعشر مليارات، حيث نجم عن ذلك إختلالات كبيرة في برنامج الحكومة الذي تعبر عنه الميزانية، ومن هذه الاختلالات عدم انجاز بعض البرامج ذات الأولوية، وإنفاق مواردها في استثمارات تعود لمجالات أخرى أقل منها استعجالا، ويسهل إيجاد تمويلاتها أجنبيا.
كما ان هناك بعض المستثمرين يعرفون بغلاء أسعارهم عندما يستثمرون في بلادنا أو يمولون لنا بني تحتية، وكان يجب البحث عن مستثمرين آخرين قبل التعاقد معهم، خاصة أنه لا يوجد ما يرغمنا على التعاقد معهم، فلدينا فرص عديدة، تصب في المصلحة الوطنية لجلب المستثمرين، منها ما حصلنا عليه في الطاولة المستديرة في بروكسل، وهناك مؤسسات سبق ان أنشأناها وفشلنا فيها من الناحية الاقتصادية، رجوعنا لها اليوم يمكن ان يكون مريحا دعائيا بأنها أنجزت كذا وكذا... لكن يجب في هذا التعامل ان ننظر إلى المستقبل ونستخلص العبر من الماضي، ويجب أن لا تكون لدينا نظرية "ولد امسكة" بعدم النظر إلى المراحل القادمة، وأن نبتعد عن تغليب الجوانب الدعائية في برامجنا على الجوانب التي تضمن لنا الفائدة والصالح المتقن.
النموذج الثاني: مداخلة النائب محمد الامين ولد الشيخ (عضو الامانة الدائمة لحزب الاتحاد من اجل الجمهورية، الحاكم، ونائب رئيس فريقه النيابي)، التي دافع فيها عن سياسة الحكومة بقوله:
"يبدو لي أن هناك بعض الايجابيات في غاية الأهمية وهي من باب المسلمات، والجميع متفق على أن هذه الميزانية المعدلة تميزت بها، لن أطيل فيها الحديث، وسأكتفي منها بزيادة النمو إلى 5% بدل أربعة وانخفاض نسبة عجز الميزانية من حوالي 33.66 مليار الي 24,25 مليار اوقية إضافة إلي أن النفقات الواردة في التعديل بلغت حولي 5.95 وهي أقل من نصف الزيادات التي وصلت حوالي 11,17 وهذا مؤشر ايجابي مسلم به، يضاف إليه أن هذه النفقات وردت في بنود لأغراض حيوية ومهمة كمراجعة الرواتب، والحالة المدنية، ومدخلات الحملة الزراعية، والانجازات في مدينة نواكشوط، وعملية رمضان، ومنح الطلاب، إلى غير ذلك من المجالات الحيوية التي تصب في صميم حل المشاكل الحقيقية للمواطنين.
والجميع متفق علي ذلك، كما اشاد به الأستاذ جميل منصور ونحن أيضا نشيد به، وهناك ما يمكن اعتباره بعض الملاحظات على تعديل الميزانية، تظهر لمن لم يستوعبها قبل تعميق النظر فيها، وأنا من هؤلاء لكن عندما تعمقت في جوهرها أدركت أنها ايجابيات، منها اقتطاعات مبالغ من بعض بنود كانت مخصصة لها وهذا يمكن اعتباره فعلا سلبيا فقط عندما تأخذ الدولة هذه المبالغ لتصرفها في مصالح شخصية وبطرق ملتوية، كما كان يحدث سابقا، لكن عندما تكون هذه المشاريع غير قادرة على استيعاب هذه الموارد لتنفيذ البرامج والأهداف المحددة لها، فما العيب في أن تستعيدها الدولة وتحتفظ بها عن حسن نية لتعيد برمجتها في الميزانية القادمة لتنفيذ نفس المشاريع، خاصة أنها تمويلات على موارد وطنية ليست أجنبية يخشي من فقدانها إذا لم تصرف في الوقت المحدد لها زمنيا.
وهذا عكس ما تصوره البعض، فهو دليل واضح علي الصرامة في محاربة الفساد واختلاس المال العام ويبرز دلالتين ايجابيتين، الأولى: أن الدولة مهتمة جدا بهذه المشاريع حيث خصصت لها مبالغ ضخمة، وعلى سبيل المثال اذكر منها برامج محاربة الرق، التي رصد لها مبلغ زاد علي مليار أوقية استعادت منه الحكومة خمسمائة مليون أوقية لم تستوعبها المشاريع المنجزة أثناء السنة المالية وهي محفوظة حتى تستخدم مرة أخرى لتنمية هذا القطاع، والايجابية الثانية أن الدولة عندما لم تستخدم الموارد في أغراضها وفي الوقت المحددين أصلا، تستعيدها بصورة شفافة وواضحة وعلنية لضمان استخدامها لاحقا في نفس الأهداف.
والدلالة الثانية: الشفافية في التسيير، نحن جميعا نعرف الممارسات التي كانت سائدة في هذا المجال، حيث كانت تمويلات البرامج والمشاريع ينفق منها النزر القليل لذر الرماد في الأعين، والنسب الكبيرة تصرف خارج الرقابة وفي أغراض خاصة لا علاقة لها بالمصالحة الوطنية ولا بما ينفع الناس أو يمكث في الأرض
وهنا أستغرب تاسف البعض علي مشروع "اتويزة" الذي كانت مخصصاته 200 مليون أوقية وهو من ضمن قائمة افشل المشاريع في موريتانيا، وكان عبارة عن محاولة بناء في ظرف ما بين ثلاث إلى أربع سنوات 20 خيمة أو 30 غرفة واحدة لأسرة أفرادها من 10 الي 15 نسمة في مناطق معزولة نائية تفتقر إلي ابسط مقومات سكن البشر من ا طرق وماء وكهرباء وصحة وتعليم وأمن وأمان، وقررت الدولة إنهاء هذه المأساة والقضاء نهائيا على الأحياء العشوائية وحولتها إلى أحياء عصرية مخططة تشقها الطرق المعبدة، ووزعتها بعدالة على ساكنيها منذ عقود وزودتهم بالماء الشروب وبالكهرباء وبكافة البني التحتية من تعليم وصحة وأسواق ومرافق إدارية وأمنية، وهذا من الحيف مقارنته بمشروع "اتويزة" الذي بينت حقيقته.
كما ان برامج مكافحة الفقر ومحو آثار الرق لا تقتصر جهودها على المليار الذي تحدث عنه البعض فهي مستهدفة من خلال فك العزلة عن المدن والقرى، والمشاريع في آفطوط الشرقي، وفي كافة بنود الميزانية المتعلقة بالتنمية المستدامة.
وبخصوص ميزانيات التسيير، يبدوا أننا سنربك المسئولين عن جهاز الدولة، فقبل سنوات كنا نشكو من ضخامتها ونقول انها صناديق سوداء للمسؤولين يبذرونها في أغراضهم الخاصة، والشعب محروم منها ونطالب بتقليصها، ونصفها بانها تبلغ 50% من الميزانية العامة، في حين أن المعايير الدولية تحدد لها 20%، وعندما قامت الدولة بحسن نية في إطار محاربة الفساد واعتماد الشفافية بتقليص هذه الميزانيات وخصصت المبالغ المقتطعة منها في إنجاز مشاريع تمس حاجيات الناس الضرورية اليومية في المركب والمأكل والصحة والتعليم والإنارة وهي إنجازات أصبحت محسوسة، رغم قصر المدة، فالإنارة لم تعد تنقطع عن العاصمة التي سويت لسكانها مشاكل الماء الشروب ووزعت الأرض وعبدت الشوارع، عندما تحققت هذه الاحلام التي روادت السكان عقودا بفضل المبالغ المقتطعة من موارد التسيير والتي لم تؤثر على عمل مؤسسات الدولة ومرافقها، عدنا نطالب بعودة موارد التسيير بحجة أن الدولة توقفت والمواطن تضرر والمشاكل تفاقمت، وأن الحل يكمن في تزويد الإدارة بالموارد لتوزعها على الفقراء وأن المفسدين أصبحوا مصلحين.
هنا أدعو الجميع إلى الموضوعية والابتعاد عن المزايدات والتحامل، وعن محاولة مغالطة الرأي العام، الذي أصبح يسمع ما يقال ويرى ما ينجز، ولم يعد بالإمكان مغالطته، وهنا سأتحدث بإيجاز عن الرواتب التي أثيرت حولها بلبلة، لاقول إن أصحاب الرواتب هم أنفسهم أقروا بأن ماحدث في مصلحتهم، حيث كانت تستفيد من جميع الموظفين في الدولة حوالي 5% من السكن وقد عممت علاواته عليهم بمبالغ تؤمن إيجار سكن لائق لأسرة، كما عممت علاوات النقل بملغ حده الادني ثلاثة آلاف أوقية وهذه زيادات معتبرة على الاجور كلفت الدولة عدة مليارات.
إضافة إلى إجراءات أخرى تصب في مصلحة جميع المواطنين منها إنشاء شركة نقل عمومية بدأت تعمل بتذكرة 50 اوقية، وهنا لا يسعني إلا أن أذكر من تحدث عن المؤسسة العسكرية، بجو الخوف والرعب الذي كنا نعيشه خوفا من تجار المخدرات والإرهاب وكافة انواع الجريمة المنظمة، حيث كان كل واحد منا مستعد لدفع ما لديه من أجل تأمين حياته، ومن قارن ذالك الجو بجو الامن والسكينة اليوم، يدرك أن تعزيز قدرات القطاعات العسكرية والأمنية بموارد لم تكن على حساب أي قطاع آخر ولم تؤثر على برامج التنمية، أمر ضروري ويشكر عليه أصحابه، ولم يكن يصب في مصلحة شخصية لأي كان.
وعلى كل حال فإذا تجردنا من العواطف وأدركنا أن عمل الدول لا ينظر إليه من زاوية واحدة بل من عدة زوايا مختلفة، سندرك أن الكثير والكثير جدا قد أُنجز في ظرف زمني وجيز وبأقل كلفة وطال جوانب عديدة من مناحي الحياة وفي عموم التراب الوطني، وأن سياسة الترشيد والاصلاح سائرة بخطي ثابتة وواعدة لاصوت فيها يعلوا فوق مصلحة الوطن والمواطن، لا مراء في ذلك، ومن حاد عن جادة هذا الطريق فالسجن طريقه، حيث دخله وزراء ومديرون إلى جانب مقربين، بسبب عدم احترام المال العام، لم تشفع لهم مساندتهم المطلقة لرئيس الجمهورية.
وعلى الجميع أن يعترف بالصالح ويعززه ويحاول بعيدا عن الأغراض إصلاح ما لم يصلح، وعلينا أن ندرك ان العمل البشري مهما كان، عندما يتهمه أحد بالنقصان فسيجد ما يستند عليه، لكن النتيجة في المقارنة بين الايجابيات والسلبيات، وقطعا في هذه القضية الغلبة للايجابيات بدون منازع.
 |
تاريخ الإضافة: 02-01-2011 00:08:05 |
القراءة رقم : 1238 |