النائب محمد المصطفي ولد بدر الدين، يتحدث في مقابلة مع "أخبار نواكشوط" عن الحوار مع المعارضة والسلفية وأملاكه الخاصة
النائب محمد المصطفى ولد بدر الدين، أحد مؤسسي وقادة الحركة الوطنية الديمقراطية، وقيادي مؤسس غفي حزب اتحاد قوى التقدم، يتحدث لصحيفة أخبار نواكشوط عن موقف حزبه من الوضع الحالي للبلد ورؤيته لسياسة النظام، ويتطرق الحوار لقضايا أخرى بعضها شخصي وبعضها عمومي
أخبار نواكشوط: في ظل الوضعية الاقتصادية الحالية للبلد، والتجاذب القوي بين السلطة والمعارضة وتهديد المركزيات النقابية بالدخول في إضرابات، كيف تقرؤون المشهد الوطني بشكل عام وما هي الآفاق المحتملة لتطور الأوضاع؟
محمد المصطفى ولد بدر الدين: بعد انتخابات 18 يوليو عرفت الساحة السياسية ركودا شاملا. فقد حاول الرئيس محمد ولد عبد العزيز – الذي بدا مرتاحا لنتائج الانتخابات- أن يوهم الرأي العام بأنه يسلك طريق التهدئة والانفتاح والحوار مع المعارضة عبر استدعاء بعض شخصياتها، غير أنه سرعان ما اتضح بأنه لا يبحث عن الحوار وإنما يسعى إلى تفكيك المعارضة باستدراج بعض عناصرها القيادية لالتحاق بالسلطة. كما أنه لم يتأخر في تفجير قضية رجال الأعمال التي اتضح أنها تدخل في إطار مساعيه لتصفية الحسابات مع المعارضة.
بعد ذلك حصلت تطورات مهمة منها اختطاف الرهائن الأوربيين وفشل الرئيس ولد عبد العزيز في قضية رجال الأعمال، ومنها تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية نتيجة نقص الموارد وسوء التسيير بحيث ظهرت السلطة عاجزة عن الوفاء بتعهداتها ولعل أنصع دليل على ذلك هو الزيادات المتعلقة برواتب الموظفين.
أضف إلى ذلك الأداء المتميز لبرلمانيي المعارضة خلال الدورة الأخيرة وتجاوب الرأي العام معهم، والاستياء غير المعلن من طرف الأغلبية الرئاسية التي لم تشرك في تشكيل الحكومة وغيب رموزها من التعيينات في المناصب المهمة وحتى من قيادة الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي أسندت قيادته لشخصيات لم يعرف عنها لعب دور مهم في الحياة السياسية للبلاد.
كل هذه التطورات وغيرها دفعت الرئيس ولد عبد العزيز إلى التظاهر بتغيير استراتيجيته ليبدو وكأنه انتقل من مرحلة التشدد والتهجم ليدخل مرحلة الانفتاح على الجميع وطبعا باستثناء المعارضة الديمقراطية. وهكذا جاءت الأيام التشاورية والحوار مع القاعدة والسلفيين ثم التوجه إلى تركيا وإيران في مسعى للإفلات من قبضة الأزمة المالية الخانقة.
وعلى هذا المستوى أيضا كانت النتائج مخيبة للآمال، إذ أن الأيام التشاورية لم تحقق رغبة الأغلبية في المشاركة في الحكومة وفي الرأي وإنما استخدمت لتمرير قرارات أحادية تتعلق بتعديل الدستور وإعادة التقطيع الإداري والانتخابي، وبمراجعة للحالة المدنية ستسفر عن لائحة انتخابية معدة من جانب واحد. كما لم يسفر الحوار مع السجناء السلفيين عن نتائج ملموسة، إذ لم يتخل عناصر القاعدة المعروفون عن انتمائهم، بينما كان من الطبيعي أن يعلن غيرهم من السجناء نبذهم للعنف، وهذا لن يؤثر على مسار استهداف القاعدة لموريتانيا لأنه أمر لا يحسمه سوى أمراء التنظيم في الصحراء.
وبالطبع لم تأت زيارة تركيا وإيران بالشيء الكثير، والحقيقة أنني لا أعرف ما الذي ستقدمه مجموعة باصات وسيارات، إن وجدت، في إطار السعي للتغلب على المصاعب التنموية التي تواجهها بلادنا! فما الذي ستغنيه مثلا عن الزراعة المنهارة والتعليم المتدهور وعن الصحة وعن مختلف المشاريع التنموية المتعطلة.
أضف إلى ذلك التعنت المستمر في قضية الحوار مع المعارضة الديمقراطية الذي بلغ درجة هدر الحقوق التي يمنحها القانون: مثل اللقاء الدوري بين الرئيس وزعيم مؤسسة المعارضة وبين الوزير الأول وزعماء الأحزاب الممثلة في البرلمان ومثل حقوق الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي يكفل له القانون التمتع بوضعية رئيس سابق. وبالتالي لو ألقينا نظرة مجملة على تسيير ولد عبد العزيز منذ الانتخابات سنرى بأنه زج بالبلاد في وضعية احتقان عنيف.
فمن جهة هناك استياء عارم لقطاعات واسعة من الجماهير نجم عن ارتفاعات متكررة للأسعار وعن مرسوم العلاوات وتوزيع الأراضي، ومن جهة أخرى هناك معارضة تم هدر حقوقها وأغلبية متململة نتيجة تهميشها ولا يلوح في الأفق أن الرئيس يمتلك خطة سياسية للخروج من حالة الأزمة الراهنة، وبالتالي فإن الوضع مرشح للتطور في أحد ثلاثة اتجاهات: فإما أن يتفاقم الوضع باتجاه انقلاب أو فوضى، أو يتخمر أكثر لنبقى نراوح في نفس المكان، وإما أن يتطور إيجابيا باتجاه فتح حوار وطني بين الشركاء السياسيين.
وجدول أعمال مثل هذا الحوار سبق وأن اتفق عليه أقطاب المشهد السياسي في دكار (في الفقرة السابعة من المادة الرابعة من اتفاق دكار). وما نطمح إليه هو أن ينطلق هذا الحوار وأن يفضي إلى اتفاق حول القضايا الأساسية الأكثر إلحاحا، لأنه الوسيلة الوحيدة لتجنيب البلاد الانزلاق في الاتجاهين السيئين المذكورين آنفا.
أخبار نواكشوط: هناك مسألة تثير اهتمام الرأي العام وتطرح بقوة في الوقت الحالي هي مسألة العبودية، كيف تنظرون إلى الحساسية الفائقة التي يتم عبرها تناول هذه المسألة في السياق الراهن وما هي أفضل المقاربات للتعاطي مع المطالب التي يتم طرحها؟
محمد المصطفى ولد بدر الدين: من المعروف أن العبودية هي حقيقة من حقائق موريتانيا، ولأن الجميع مطلعون على تفاصيل هذا الموضوع فلن نتناوله من الناحية التاريخية. يكفي أن نشير إلى أن ما يميز الوضعية الراهنة هو أن البلاد دخلت منذ السادس أغسطس في أزمة خانقة، ومنذ ذلك التاريخ أدى سوء التسيير إلى تدهور في الأوضاع المعيشية للمواطنين ومن الطبيعي أن تشعر فئة لحراطين –التي تشمل العبيد والعبيد السابقين- بوطأة هذه الأزمة لأنه حين يجري الحديث عن الفقر فكأنما يجري عن لحراطين، أما حين يجري الحديث عن الفقر المدقع فأول ما يتبادر إلى الأذهان هو جموع لحراطين الذين يقطنون أحياء الصفيح المحيطة بالمدن والأحياء الفقيرة في الأرياف.
لقد وقفت الدولة ضد الزراعة فتأثر بذلك المزارعون الذين يشكل لحراطين جمهورهم الغفير، كما جمدت الرواتب وتركت أسعار المواد الأساسية في تصاعد فكانوا أول المتضررين باعتبار أن أوضاعهم الهشة لا تسمح لهم بمزيد من التحمل، أضف إلى ذلك غياب المشاركة السياسية الذي أزعج وجهاء الأغلبية فكان من الطبيعي أن يزعج أكثر مثقفي هذه الفئة.
وتظهر الإحصائيات التي تطرح اليوم – بما لا يدع مجالا للشك- كم هم مقصيون من مراكز القرار ومن منافع الدولة، لذلك أتفهم تماما أن ترتفع أصوات بعض مثقفي هذه الفئة مطالبة بتقسيم عادل للثروة وبمشاركة عادلة في السلطة، وأعتبر أنها مطالب عادلة ينبغي على الجميع رفعها ومساندتها.
وليس من الحكمة في شيء التصدي لهذه المطالب ولمن يطرحونها بمزيد من الإقصاء ومزيد من التهميش كما يحصل مع برام ولد اعبيدي، كما أن كيل الاتهامات جزافا لمن يطرح هذه المطالب لن يضيف سوى مزيد من تفاقم هذه المشكلة.
وأعتقد أن المقاربة السليمة تجاه هذه المشكلة وغيرها هي الانفتاح والحوار ليس في المجال السياسي فحسب، وإنما في مختلف المجالات ومع هذه الفئة بشكل خاص من أجل الاستجابة لمطالبها في إطار خطة شاملة لتنمية البلاد ولتوسيع المشاركة السياسية مع إعطاء الأولوية للفئات والجهات التي تعاني الإقصاء أكثر.
أخبار نواكشوط: التقيتم مؤخرا بوفد برلماني أوربي جاء لتقصي الحقائق حول مدى عودة البلاد للنظام الدستوري، ما الذي ردت به المعارضة على تساؤلات البرلمانيين الأوربيين؟
محمد المصطفى ولد بدر الدين: بالفعل اجتمعت خمس فرق برلمانية معارضة مع وفد أوربي يتكون من 5 برلمانيين و 5 مستشارين جاء في إطار المباحثات التي تنص عليها المادة 96 من معاهدة كوتونو التي تقضي بتعليق المساعدات لأي بلد يحصل فيه تغيير غير دستوري في السلطة لغاية عودته إلى النظام الدستوري.
وقد تركز اهتمام الوفد حول العديد من التساؤلات من قبيل: إلى أي حد عادت البلاد إلى الحياة الدستورية؟ هل يعمل البرلمان كهيئة تشريعية وهيئة رقابة على الحكومة بصورة سلسة؟ هل تتمتع المعارضة الديمقراطية في البرلمان وفي كل البلد بحقوقها؟ هل هناك تشاور بين المعارضة والأغلبية حول إعداد قانون الانتخابات بصورة إجماعية؟ هل هناك حوار بين المعارضة والأغلبية؟
واعتبر برلمانيو المعارضة أن البرلمان لا يسير على ما يرام كهيئة تشريعية وهيئة رقابة على الحكومة لأنه يخضع في الوقت الراهن لتسلط الهيئة التنفيذية. فمثلا ينص الدستور على ضرورة تغيير مكتب الجمعية الوطنية ومكاتب لجانها كل سنة غير أن السلطة التنفيذية تدخلت هذه السنة لمنع تجديد هذه الهيئات، رغم أنه مضت سنة و7 أشهر على انتخابها. وبالنسبة لمجلس الشيوخ فقد أعيد انتخاب المكتب وبقيت اللجان.
ومن الجلي أن المماطلة في تجديد مكتب الجمعية الوطنية ولجانها قد هدرت حقوق المعارضة التي من حقها الحصول على ثلث هذه الهيئات. كما تم هدر حقوقها في مجلس الشيوخ الذي شكل مكتبه كله من الأغلبية، والأدهى من ذلك أنه لم تمثل فيه النساء اللاتي يمنحهن القانون نسبة 20% من جميع الهيئات.
كذلك من حق المعارضة في البرلمان أن تقوم بمبادرات تشريعية، غير أنها حين تقدمت بمشروعي قانونين (الأول حول حماية المستهلك والثاني حول مكافحة الفساد) تم تجاهل هذين القانونين من طرف الحكومة ومن طرف الأغلبية لذلك لم نتمكن من مناقشتهما خلال الدورة الماضية. وقد سبقت الإشارة إلى حرمان المعارضة من حقوقها في مجالات أخرى.
أما فيما يخص الحوار ومراجعة القانون الانتخابي والحالة المدنية فكان الجواب صريحا وواضحا: نعم هناك حوار لكن فقط مع السلفيين والقاعدة، وهناك نية مراجعة الحالة المدنية لكن من طرف واحد، وهناك نية لمراجعة التقطيع الإداري لكن من جانب واحد، وهناك قرار بمراجعة الدستور وتغيير والعلم والنشيد وحتى بتغيير اسم الجمهورية لكن من طرف واحد أيضا، كما أن الحريات العامة أصبحت مخنوقة ويكفي دليلا علي ذلك قضية حنفي ولد دهاه وعبد الفتاح ولد اعبيدن.
وباختصار فنحن أمام نظام لا يقوم إلا بما يجب أن يمتنع عنه ولا يرفض إلا ما ينبغي أن يقوم به. وأملنا هو أن يرعوي هذا النظام ويعرف بأنه لا يستطيع وحده أن يسير هذه البلاد، وأن يفضل الحوار مع الفرقاء على التصرفات الأحادية.
أخبار نواكشوط: لو سمحتم لنا سننتقل من المستوى العام إلى المستوى الشخصي، فما صحة ما يشاع من أن الزعيم السياسي الوطني بدر الدين، الذي يطالب دائما بالديمقراطية ونبذ الجهوية والقبلية ويطالب بالإصلاح ومحاربة الفساد ومطالبة المسؤولين بالإعلان عن ممتلكاتهم، كثيرا ما يتهم بأنه يمتلك الكثير من المنازل الضخمة والقطع الأرضية وبأنه متورط في نزاعات محلية، فهل هو كذلك فعلا؟
محمد المصطفى ولد بدر الدين: سوف أكون صريحا حيال هذا الموضوع لأن الأمر يتعلق فعلا بشائعات يروج لها منذ فترة على نطاق واسع. ما هو صحيح هو أني أملك منزلا من منازل سوكوجيم PS حصلت عليه بفضل التوفير الذي يحكم نظام هذه الشركة. وهو منزل مؤلف في الأصل من غرفتين ومرافق ومطبخ ومغطى بالزنك وقد أضفت له غرفتين من نفس الطراز وأقمت فيه سنوات حتى لم يعد صالحا للسكن، فانتقلت منه إلى منزل آخر في كرفور هو الذي أقيم فيه الآن وهو أفضل منه بقليل لأنه مغطى بالاسمنت المسلح، ولكن مساحته لا تتعدى 150 متر مربع ويتألف من 3 غرف وصالون ومرافق ومطبخ، وهو بالمناسبة ليس ملكا لي ولكنه ملك لزوجتي.
أما القطع الأرضية فأنا أملك فعلا قطعة أرضية في المشروع (تيارت) منذ 1986 ومساحتها 180 متر مربع وقد وضعت عليها حائطا ولم أتمكن من بنائها حتى الآن. كما أملك قطعة أرضية أخرى اشتريتها من قطع سوكوجيم الواقعة دون شاطئ المحيط، مساحتها 300 متر مربع ولا حائط حولها، وعندي ثلاث قطع في توسعة حي الطلح بتيارت لا حائط ولا بناء فيها ومساحة القطع الثلاث 360 متر مربع.
وهذا كلما أملك من المنازل والقطع الأرضية بعد أن أصبحت برلمانيا منذ 8 سنوات، وحين تعثر على منزل أو قطعة أرضية أخرى أملكها فإنني أعلنها ملكية للدولة. وأود هنا أن أغتنم هذه الفرصة لأكذب شائعة تقول إنني أملك عمارة من 4 طوابق في كرفور قبالة سوق مكة، إذ أن هذه العمارة التي تجاورني هي ملك لتاجر في دكار وهو مسؤول الجالية هناك واسمه محمد لمين ولد الطالب دحمان ولست شريكا له في الملك.
أما بخصوص التورط في النزاعات المحلية فالأمر لا يعدو خلافا نشب بيني وبين أحد الزعماء السياسيين المحليين حيث اختلفت مع طرحه السياسي وتوجهه العام وقام كل منا بحشد الأنصار من مقربيه وتبارينا في جميع الاستحقاقات السياسية والاجتماعية، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لمثلي ومثله.
حوار: ماموني ولد مختار
تاريخ الإضافة: 21-02-2010 15:07:05 |
القراءة رقم : 3633 |