محمد عبد الرحمن ولد الزوين المدير الناشر ليومية "السفير":"الخطة الاستعجالية أعطت نتائج عكسية بسبب الممارسات الخاطئة"
عبد الرحمن ولد الزوين
|
"حكومة ولد زيدان لا تتقن سوى فن إعداد الدراسات"
قام الزميل محمد عبد الرحمن ولد ازوين المدير الناشر ليومية "السفير" –مصحوبا ببعض طاقم "السفير"- بجولة صحفية إلى الداخل شملت العديد من مقاطعات لعصابه والحوض الغربي (الطينطان، كنكوصة، باركيول) والبلديات التابعة لها، حيث اطلع على أوضاع المواطنين الصعبة وظروفهم المعيشية، وقد نشرت الزميلة "السفير" عينات من معاناة ساكنة هذه المناطق.
ومن أجل استيضاح الأمر بقدر من التفصيل أجرت صحيفة "الحرية" الحوار التالي مع محمد عبد الرحمن ولد الزوين، الذي تحدث إلينا عن هذه الأوضاع، وعن الخطة الاستعجالية التي كان من المؤمل أن تخفف من معاناة سكان الداخل..
حوار: نعمه عمر
"الحرية": على ضوء الزيارة التي قمت بها لحزام الفقر في ولايتي لعصابة والحوض الغربي، ماذا عن ظروف السكان، وهل من المؤمل أن تساهم الخطة الاستعجالية في التخفيف من معاناتهم؟
محمد عبد الرحمن: أولا أشكر صحيفة "الحرية" على اهتمامها بإنارة الرأي العام؛ فعلا لقد زرت ولاية لعصابة ومقاطعة الطينطان للاطلاع على المشكلات التي يعاني منها السكان هناك؛ خاصة وأن اهتمامنا نحن الصحفيين يتركز دائما على الأحداث الجارية في العاصمة انواكشوط. وقد استغرقت المهمة 15 يوما اطلعت خلالها على الكثير من القضايا.
البداية كانت من الطينطان التي نشرنا عنها تحقيقا مفصلا شخصنا فيه أزماتها التي ما تزال تراوح مكانها؛ حيث لم يحدث تحسن، بل زادت معاناة المواطنين الذين يسكنون في المخيمات تحت حر الصيف؛ وربما يظلون كذلك في فصل الخريف القادم.
ثم زرت مثلث الفقر واطلعت على أمور كثيرة من أحوال السكان في مقاطعة باركيول وبلدياتها، مما لم أكن أتصور وجوده على صعيد الواقع.
من أهم المشكلات التي تعاني منها مقاطعة باركيول (70 كلم على طريق الأمل من الغايرة وتستغرق الرحلة 4-5 ساعات بحكم وعورة الطريق!) هي العزلة وانعدام البنية التحتية من صحة وتعليم ومياه.. وهذه الأخيرة تعتبر تحفة نادرة حيث لا وجود لها.
كما يلف الظلام المقاطعة التي يقطنها 78 ألف نسمة ترتكز حياتهم على الزراعة المطرية، وتعد هذه السنة من أصعب السنوات لديهم. وتتمثل مطالبهم أساسا في فك العزلة والتغطية الصحية والماء والكهرباء.. إلخ؛ حيث لا وجود للكهرباء باستثناء ما توفره شركة "موريتل" لمنزل حاكم المقاطعة.
نفس الشيء يصدق على مقاطعة كنكوصه التي يقطنها أكثر من 80 ألف نسمة؛ حيث تبعد 90 كلم عن كيفه. وتتميز عن مقاطعة باركيول باعتبارها مقاطعة رعوية وقد حباها الله بنهر يفصل شطري المدينة، ويطالب سكانها بإقامة جسر يسهل التنقل بين الشطرين؛ حيث يروح المواطنون ضحية النهر الذي يصل عرضه إلى 250م حيث القوارب الخشبية هي وسيلة التنقل الوحيدة وبعض المعلومات تفيد بوفاة حوالي 35 شخصا غرقا فيه في الفصل الأول من هذا العام دون وجود وسيلة إنقاذ. ولا يوجد من الكهرباء سوى 3 أعمدة إنارة.
كما أن المقاطعة عانت منذ الخريف الماضي من حرائق التهمت الأخضر واليابس بمعدل غير مسبوق يصل –حسب بعض التقديرات- إلى 70% نتيجة انعدام الخطوط الواقية من الحرائق.
اخترت هذا العرض كتوطئة؛ أما عن الخطة الاستعجالية فلدي عدة ملاحظات عليها:
أولا التوقيت لم يكن مناسبا؛ فلا يفصلنا عن موسم الأمطار سوى 3 أشهر وهذه الفترة غير كافية لإيصال المواد إلى المستهدفين؛ مع العلم أنه تم اقتناء المواد من السوق المحلية في غياب مناقصة، حيث أسندت المهمة لـ"سونمكس" التي باشرت شراء البضاعة من التجار؛ وبالتالي لا يعدو الأمر كون الدولة تدخلت لتبذر أموالا عمومية.
حل المشكل كان يستدعي استيراد المواد من الخارج حتى تتاح الفرصة للمنافسة؛ أما ما هو حاصل الآن فهو أن "سونمكس" والتجار ينافسون أنفسهم فتم استنزاف ما هو متوفر في السوق وارتفعت الأسعار في انتظار وصول الكميات المستوردة من تايوان أو أستراليا، وهو ما يتطلب 3 أشهر قادمة؛ بمعنى أن الخطة ولدت ميتة! وكان الأجدى أن يتزامن انطلاق الخطة من دجمبر ليستفيد المشرفون عليها من وفرة المواد المطلوبة، وضمان إيصالها في الوقت المناسب إلى المستهدفين بها؛ هذا من ناحية الشكل.
لقد أعلن الرئيس أن الخطة مكونة من 89 ألف طن بينما أعلن مفوض الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي في لقاء مع "الشعب" أنه لم يتسلم سوى 75 ألف طن؛ ثم كيف تم الحصول على هذه الكمية دون اللجوء إلى مناقصة من شأنها أن توفر الأرز والقمح بأسعار تفضيلية!.
المبلغ المرصود للخطة يزيد على 36 مليار أوقية.. هذا المبلغ كان يجب أن يوجه لإقامة البنية التحتية التي تحدثنا عن وضعها آنفا، ولتشييد الطرق والآبار وإمدادات الكهرباء وخدمات الصحة والتعليم والمياه.. ومن شأن ذلك –لو تم- أن يخلق فرص عمل ويعود بنفع أكبر من توزيع مواد لا يستفيد منها إلا القائمون عليها.
الخطة الحالية -حسبما شرحه المسؤولون- لا يمكن أن تحل المشكلة، نظرا للعوائق الكثيرة التي ذكرت جزءا منها سابقا.
كما أن تكليف الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية بهذا الملف استدعى تحفظ السياسيين؛ حيث كان يجب أن يشرف عليها الرئيس شخصيا ويتولى الأستاذ الخليل النحوي جانبها الفني كما هو الحال.
مفوضية الأمن الغذائي استنفرت 145 شخصا على عموم التراب الوطني -بمعدل 2 في كل مقاطعة- حصلوا على امتيازات 40 إلى 50 ألف أوقية لمدة 6 أشهر، ولا يتوفرون على سيارات رغم أنهم كلفوا بإيصال الحبوب إلى الأماكن المستهدفة؛ مع العلم أن معدل البنوك -حسب المفوضية- 2600 بنك عدا عن 200 كانت في حال خمول، سيتم إحياؤها أي ستكون 2800 وكان من المقرر أن يستوعب كل بنك 5 أطنان، ولا يمكن أن يتم ذلك بالوسائل الحالية، لأن الطاقة الاستيعابية لأغلبها أقل بكثير –خصوصا في القرى- فهي مجرد غرف صغيرة مستأجرة بعضها من الطين.
لقد أعلنت الخطة بطريقة جيدة؛ لكن يستحيل إيصالها إلى المواطنين المعنيين. فلا يمكن للدولة أن تخصص دعما يعيد سعر خنشة الأرز لـ5000 أوقية لمدة ستة أشهر حسب ولد الواقف، أو أربعة حسب الخليل النحوي!
المستفيد الوحيد الآن هم الوسطاء ورجال الأعمال ونفخ الروح في اتحاديات النقل بعد ما كادت تلفظ أنفاسها، والتي يستحيل -بوسائلها المتهالكة- أن توصل الحبوب إلى هامد في مقاطعة كنكوصه أو الغبرة في مقاطعة باركيول؛ وهذا لا يعني وجود موقف شخصي من الموضوع؛ بل أنوه به، لكنني لم أتصور أنه سيبلور على هذا الشكل، وإنما بمشاريع عملاقة تعطي الانطباع بأهمية دور الدولة التي يجب أن توفر التعليم والصحة والطرق..
"الحرية": ماذا تقترحون في هذا الإطار؟
ولد ازوين: لست مطلعا على إمكانيات الدولة غير المعلنة؛ لكن إذا تمت إقامة مشاريع تنموية عملاقة تنعش الاقتصاد فمن شأنها أن تحل المعضل، بالإضافة إلى اهتمام الدولة بالتكوين والتنمية المستديمة.
لقد استوقفتني قضية الطينطان التي طلب باسمها الكثير من المساعدات ولم يتجسد الدعم على أرض الواقع؛ خاصة وأن منسوب المياه بدأ يتراجع، وأصبح بإمكان المواطنين العودة إلى منازلهم. فتأجيل المؤجل وتأزيم المؤزم ليس حلا؛ الأمر لا يحتاج إلى دراسة.
يجب الإعلان عن حملة لاستنهاض الهمم ومراجعة الذات، المواطنون لا يريدون الحبوب أو الإعانات؛ وإنما مشاريع توازي سمعة البلاد الخارجية، وديمقراطيتها التي يشيد بها الجميع.
وفي سياق متصل أستغرب كيف يتم الإعلان عن سنة زراعية في حين لا وجود لوسائل زراعية رغم توفر سد كبير يدعى سد فم لكليته ومشاريع فيضية كبيرة مثل مقامه 1 ومقامه 2، كانت ذريعة لنهب أكثر من 7 مليارا من الأوقية في السنوات الماضية دون أثر محسوس على أرض الواقع، خلافا لما لو وظف بعض تلك الأموال في مشاريع ذات مردود اجتماعي. السؤال المطروح إذن هو هل هناك نية لتجاوز الوضع، أم أن الأمر مجرد شعارات للاستهلاك السياسي لا أقل ولا أكثر.
"الحرية": ماذا عن حصاد السنة من عمل الحكومة؟
ولد ازوين: أيام قليلة على مرور سنة من تشكيل أول حكومة بعد الانتخابات 06- 07 وهي انتخابات لم يطعن أحد في نزاهتها وشفافيتها محليا وخارجيا، حيث تقلد السلطة رئيس مستقل في ظل برلمان متنوع، أعلن عن إنشاء حكومة تكنوقراطية منذ وصولها إلى السلطة وموريتانيا تترنح.. نتيجة غياب الحنكة السياسية لدى أعضائها، وعدم تمثيلها للشعب الموريتاني؛ حيث لم تشكل هذه الحكومة على أساس المحاصصة، قد يقول قائل إن الرئيس ابتعد عن المفسدين لكن الجل فاسدون، ومهما كانوا فقد انتخبهم الشعب، هذا الصراع مع الواقع أفرز الحالة الراهنة.. برنامج الرئيس طموح حول التعليم، والرق، وعودة المبعدين وتلك أمور تهم الجميع، رغم أنني لست من القائلين بوجود الرق بالشكل الذي يراد له؛ للأمانة فهناك رق أبيض -أي رق اقتصادي- وقد عانى منه الجميع وما زال يعاني، وسن العديد من القوانين للتعامل معه.
هناك أيضا ملف التعليم الذي حيل بين الرئيس مع الدعوة لتنظيم أيام تشاورية حوله؛ حيث جمد دون سبب وجيه.. ولا يفوتني هنا أن أثمن دور الوزيرة نبغوها؛ لأنها ببساطة تمتلك قوة الإرادة حيث تنفذ ما تراه هي لا ما يراه غيرها..
خلال هذه السنة لم نشهد تشيد طريق واحدة، ولا نقطة مياه، ولا نقطة صحية.. وباختصار حكومة الزين لم تستورد سوى الورق؛ وبالتالي هي حكومة ورق! فمنذ تقلدها زمام الأمور وهي تعد الدراسات.. وقد حصلت على الكثير من الأموال بسبب علاقات الرئيس بالممولين؛ ورغم ذلك حطمت الرقم القياسي في عدم احترام الدولة ككيان، لم يعد هناك احترام للقوانين والوزراء عديمو الثقة لأنهم لا يتمتعون بعمق سياسي أو فني.. والغريب في الأمر أن هناك حكومة من المستشارين لدى الرئيس، وهناك عجز واضح حتى في التنسيق بين الفريقين؛ كما أن الرئيس تخلى عن 80% من صلاحياته للحكومة اعتقادا منه أنها ستؤدي الدور المنوط بها؛ مما فرض على رئيس الجمهورية التدخل المستمر بعد ما كان يفترض أن يكتفي بالإشراف..
"الحرية": أنت من المحسوبين على القصر الرمادي، وقد يستغرب البعض هذه الحدة في تشخيص الأوضاع، بما ذا ترد؟
ولد ازوين: موقفي معروف.. رغم كوني صحفيا، فأنا ضمن طليعة الذين دعموا الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله؛ ولكن هذه العلاقة لا يجوز أن تكون على حساب الشعب الموريتاني. لست نادما على هذه العلاقة؛ لكن يجب علي النصح والتنبيه، وعلى الرئيس أن يعين الكفاءات على أساس النزاهة؛ حيث تم تعيين الكثير من الأشخاص الذين لا تتوفر فيهم الكفاءات، وذلك عائد إلى عدم وجود بنك للمصادر البشرية لدى الحكومات السابقة.
على الرئيس أن يراجع الوضعية التي توجد فيها موريتانيا؛ حيث لم يتم تنفيذ مشروع واحد مدة سنة كاملة والفترة الرئاسية -كما هو معروف- 5 سنوات، يجب ترميم ما هو كائن على الأقل، والرجوع إلى الطبقة التي انتخبت الرئيس، وهي اليوم بعيدة من القصر.
أما الحكومة الحالية فليست حكومة إصلاح، وحديث الوزراء عن قطاعاتهم يؤكد أنهم عاجزون عن الإمساك بملفاتهم ولا علاقة لهم بالقاعدة الشعبية.. فلو كانت الحكومة إفرازا سياسيا للحالة لكان الأمر طبيعيا؛ لكن الحكومة عاجزة، ولا أدل على ذلك من فضيحة نادي باريس؛ حيث أكد الممولون أن الملفات المقدمة من قبل الحكومة هي مجرد استنساخ للملفات التي قدمت في عهد ولد الطايع، ولولا الثقة في شخص الرئيس لما حصلنا على الوعود، وقد اعترف بذلك مدير الصندوق الكويتي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي؛ حيث أبلغ وزير المالية أن الملفات المقدمة غير مقنعة؛ ولكن ثقتهم عالية في الرئيس.
الحل إذن هو إحراج السياسيين من خلال إنشاء حكومة ائتلاف سياسي من الأغلبية، من أجل استنهاض الهمم وتحميل جميع الأطراف مسؤولياتها، وإلا فإن الوضع سيظل يراوح مكانه، ويظل المواطن ضحية صراع مراكز القوة.
تاريخ الإضافة: 14-06-2008 23:07:56 |
القراءة رقم : 339 |